جي فوكس الدولية
9 مايو / أيار 2022
نشر مبرمج مجهول الهوية يدعى ساتوشي ناكاموتو شرحاً لنظام عملة (البتكوين)، كبرنامج مفتوح المصدر، وتستند العملة في تقديمها وتداولها على تكنلوجيا ” السجلات الموزعة” والتي تعتمد على شبكة من الأعضاء لتبادل المعاملات من الند الى الند، دون وجود وسيط كالبنوك مثلاً، ويتم استخدام تقنيات التشفير من خلال الشبكة.
وبحسب المعلومات المتداولة على الانترنيت، ان ساتوشي ناموتو، والذي يقال بأنه قد يكون اسم مستعار لمجموعة مكونة من أكثر من شخص، بدأ العمل على البتكوين في عام 2007، وفي عام 2008 تم تسجيل موقع bitcoin.org كنطاق، تلاها اطلاق النسخة الأولى من عملة البتكوين في عام 2009، ولكن لم يتم استخراج العملة إلا ضمن حدود ضيقة النطاق، وكانت التقديرات آنذاك تشير إلى انتاج ما يقارب مليون قطعة ( وحدة) من العملة فقط، وفي عام 2010 بدأت أول معاملات البتكوين من خلال مستخدمي منتدى ( Bitcointalk) وذلك بشراء البيتزا مقابل عشرة الاف وحدة من البتكوين بقيمة ( 0,003) دولار مقابل كل وحدة، وتوالى بعدها ارتفاع قيمة العملة تدريجياً، وبحلول عام 2011 بلغت قيمة وحدة البتكوين ( 0,30) دولار. ومنذ ذلك الوقت بدأت عملات افتراضية مشفرة في الظهور منها، عملة (Altcoins) والتي تعد تفرع لعملة البتكوين، جاءت بهدف تحسين بعض ميزات وعناصر تصميم العملة وأداءها، ومع إطلاق أول بورصة للبتكوين بلغت قيمة الوحدة الواحدة منها (30) دولار تقريباً، لكنها انخفضت بقيمة 5 دولارات في ذلك العام.
وفي عام 2012 كانت البداية لقبول البتكوين كشكل من أشكال الدفع لدى بعض التجار الرسميين على الانترنيت، وكان موقع الووردبريس أول منصة الكترونية تقبل الدفع بهذه العملة، ثم تلتها شركة مايكروسوفت، وقد اعتبرت هذه هي الخطوة الأولى في قبول البتكوين والعملات المشفرة دولياً على نطاق واسع كطريقة دفع مشروعة، الأمر الذي دفع نحو ظهور المزيد من العملات الافتراضية وتطوير عملها، مثل عملة ريبل (Ripple).
ومع استمرار تطوير البنية التحتية للبتكوين والعملات الافتراضية المشفرة الأخرى خلال الفترة الممتدة بين ( 2014 – 2016 ) وظهور منصة ( Coinbase) الأمريكية كأول بورصة بتكوين منظمة، شكل عام 2017، عام الازدهار للعملات الافتراضية المشفرة، حيث ارتفعت قيمة البتكوين إلى ( 20,000) دولار أمريكي، وانتشار ما يقارب ( 1500) جهاز صراف آلي للعملة في جميع أنحاء العالم، وفي نفس الوقت شهدت بقية العملات الافتراضية المشفرة ارتفاعا كبيراً، حيث وصل قيمة سهم عملة الايثيريوم لاكثر من 9000%، وسعر عملة ريبل لنسبة بلغت ( 36000%) من نفس العام. وقد تجاوزت القيمة الاجمالية لجميع العملات الافتراضية المشفرة المتداولة الـ (100) مليار دولار أمريكي، بلغت ذروتها عند حد (850) مليار دولار في عام 2018، ثم تراجعت بأكثر من (50%) في نهاية نفس العام.
حماية بيانات المستخدم وتكلفة منخفضة
تعتمد العملات الافتراضية المشفرة على عملية التشفير وهي وسيلة لحماية المعلومات والبيانات من خلال استخدام الرموز، بحيث لا يمكن قراءتها أو معرفة محتواها المخفي إلا من تستهدفهم المعلومات ويكون لديهم مفتاح الشفرة التي تمكنهم من معالجة تلك الرموز للتعرف على المعلومات الأصلية، أي إخفاء البيانات بشكل يحفظ سرية محتواها، وتعتمد على فكرة التشفير المستخدمة في القطاع المصرفي والمعلوماتي. ومن أبرز فوائد العملات المشفرة، غياب الوسطاء الماليين في المعاملات التي تتم من خلالها وبالتالي تعود بتكلفة منخفضة على المستخدمين، وكذلك التدخل المحدود من الجهات الحكومية، الأمر الذي يجعل من تلك العملات خارج سيطرة المؤسسات المالية والحكومية المتعارف عليها، فضلاً عن سهولة إمكانية الوصول إلى استخدام تلك العملات في معاملات ذات تكلفة منخفضة وبدون رسوم من خلال الأجهزة المحمولة من أي مكان وزمان، مما يزيد من شعبية هذه العملات بين عموم الناس.
أخطار مُشفرة
رغم العديد من الفوائد والايجابيات للعملات الافتراضية المشفرة، ولكنها تبقى مصدر حقيقي للكثير من المخاطر والتهديدات الأمنية والاجتماعية، حيث انها عملية محاطة بالكثير من الغموض والسرية في كل مرحلة من مراحلها، فهي تختلف عن إجراءات الأنظمة البنكية المتعارف عليها عالمياً، تقوم على سرية تامة لمعلومات المستخدمين، ومصادر الأموال والحوالات المالية، الأمر الذي يعزز فرضية استخدام تلك العملات والوسائل المتبعة في تداولها، في أمور غير قانونية، و تسهيلات لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، فضلاً عن سرعة تقلبات أسعار الصرف غير المتوقعة وتذبذبات الأسعار السريعة جداً، خاصة وأنها لا ترتبط بمؤشرات واضحة تتبع لقرارات محددة او اتجاهات السوق والياته، ناهيك عن انخفاض خبرات المستخدمين وثقافتهم تجاه التعامل بالعملات الافتراضية المشفرة.
وعلى الرغم من ان تقنيات التشفير المستخدمة قد تكون قوية ضد الهجمات السيبرانية، إلا ان غياب الأطر القانونية والتنظيمية في عمل تلك العملات والأسواق الافتراضية يجعل المستخدمين لها عرضة للأخطاء والمخالفات الأمنية والقانونية وللسرقات الالكترونية دون وجود كيان او جهة قضائية يلجؤون اليها.
التفاف على عقوبات دولية وإدارة للصراعات
في خضم الصراع الروسي الأوكراني، لعبت العملات الرقمية دورَا محوريَا، إذ وظف الطرفان العملات المشفرة لأسباب مختلفة وبطرق متعددة، حيث استخدمت الحكومة الأوكرانية العملات الرقمية في تلقي التبرعات من دول ومؤسسات عالمية، بينما لاقت هذه العملات إقبالًا متزايدًا من قبل الروس بعد انهيار سعر الروبل الروسي، كما لجأ بعضهم إليها كوسيلة لتفادي العقوبات التي فرضها الغرب على بعض المقربين من الكرملين.
وبحسب تقرير لمركز (تشينالسز) لأبحاث البلوك تشين، أشار إلى أن روسيا وأوكرانيا، تصنفان ضمن الأكثر استخداما للعملات الرقمية، حيث احتلت روسيا المرتبة الرابعة في استخدام العملات الرقمية، بينما احتلت أوكرانيا المركز الثالث من حيث تعدين البتكوين.
ومن جهته أعرب الغرب عن مخاوفه من سحب المقربين للكرملين لثرواتهم من خلال تحويلها لعملات رقمية، خصوصا وأن روسيا من أبرز الدول في قطاع الطاقة (النفط والغاز) التي تتطلبها بشكل كبير عملية تعدين العملات الرقمية، الأمر الذي دفع بالدول الغربية للبحث عن تدابير وإجراءات من شأنها منع الروس من التحايل والالتفاف على العقوبات المفروضة عليهم من قبل الولايات المتحدة والغرب، فقد صرح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير، في وقت سابق، بأن الاتحاد الأوربي سيتخذ تدابير بهدف منع التفاف روسيا على العقوبات المفروضة عليها من خلال استخدام العملات المشفرة. وبالفعل فقد قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي: “أن هناك من تمكنوا من الهروب من العقوبات من خلال العملات الرقمية”.
وفي محاولته إيجاد مخرج لأزمة التضخم المفرط الذي تعاني منها فنزويلا جراء العقوبات الاقتصادية عليها، ففي عام 2017 أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إطلاق عملة (بترو) الرقمية في محاولة لإنعاش الاقتصاد الفنزويلي الذي يعاني من أزمة اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة على البلاد، وأكد مادورو على ان عملة (البترو) الرقمية ستكون مدعومة من احتياطات النفط، حيث ان فنزويلا الواقعة في أمريكا اللاتينية تحتوي على أكبر احتياطي مؤكد للنفط في العالم. ووفقا لتقارير إعلامية فإن ثلاث دول وهم (فنزويلا والأرجنتين وكولومبيا) تعتبر من بين أفضل 20 دولة في ترتيب اعتماد العملة المشفرة وتمثل 9٪ من المعاملات العالمية.
وفي خطوة أكثر جدية، فقد أقر برلمان دولة السلفادور في يونيو عام 2021 قانوناً يعتبر البتكوين عملة قانونية إلى جانب الدولار، وجاءت عملية موافقة البرلمان، على مشروع القانون الذي قدمه رئيس جمهورية السلفادور، بتصويت أعضاء البرلمان بأغلبية ساحقة.
عصر التشفير: رؤى جديدة في عالم المال
في حديثه لمجلة جي فوكس الدولية، يقول عوض العبدان – مدير شركة سيبا الامريكية ومؤسس عملة سيبا توكين الرقمية المشفرة، والتي تم اطلاقها بداية عام 2022، ” علينا مواكبة العصر والتغيرات المتسارعة في مجالاته المختلفة ومنها المجال الاقتصادي والتحولات التي يشهدها في مجال العملات الرقمية”.
ويضيف: ” لم نعد نستخدم الأموال الورقية كما في السابق، وهي قد أصبحت مجرد أرقام مخزنة في البنوك نقوم باستخدامها في مشترياتنا اليومية عبر بطاقات ذكية بنكية وتطبيقات رقمية”، ولا يستبعد العبدان ان تصبح العملات الرقمية متداولة عالمياً بدلاً من العملات النقدية الورقية.
وفي معرض رده على سؤال وجهته جي فوكس الدولية له عن كيفية عمل عملة سيبا توكين المشفرة، يقول عوض العبدان:” هي عملة تدعم نشاط جديد وهو عالم صناع الفيديو وستكون لها منصة لذلك يستطيع من خلالها صناع المحتوى رفع الفيديوهات التي يقومون بعملها بأنفسهم وعرضها على المنصة مقابل حصولهم على أموال” مضيفاً: ” أنها فكرة جديدة غير متبعة حالياً على منصات أخرى، فغالباً صُناع المحتوى يعرضون أعمالهم بشكل مجاني أو شبه مجاني، وبالتالي فأن استخدامهم لمنصة سيبا توكين ستتيح لهم الحصول على مقابل مالي لأعمالهم”. متوقعاً نجاح فكرته مستقبلاً، رغم الصعوبات وحاجتها مزيد من الوقت والانتظار، ولكنها ستلاقي رواجاً بين صناع المحتوى في نهاية المطاف”، بحسب قوله.
وفي رؤيته لمستقبل العملات المشفرة يقول العبدان:” ان العملات المشفرة سبقت زمنها وأنه أمر إيجابي، وعندما يتجه العالم نحو العملات المشفرة فسنجد كبار المؤثرين في إدارة النظام المالي العالمي يستثمرون في تقنيات وأدوات تمكنهم من إدارة المستقبل المالي الجديد للعالم”، على حد قوله.
ويضيف العبدان قائلاً لمجلة جي فوكس الدولية: ” تخيل لو ان حربا نووية كبيرة وقعت وراح ضحيتها عدد كبير من الناس، وضاعت اموالهم بعد ان تدمرت البنوك، وتخيل أيضاً لو ان عالم السيارات الكهربائية تطور أكثر وانتشرت السيارات الطائرة، أليس من المنطقي اذن ان يتطور كل شيء في العالم ومنها طرق الدفع أيضاً”.
نظام مالي أكثر أماناً لا يخلو من أخطار
وفي رده على رفض مؤسسات مالية وحكومية في العالم للعملات المشفرة لدواعي أمنية، يقول عوض العبدان مؤسس عملة سيبا توكين المشفرة: ” هناك طرق كثيرة جدا للتهريب والتمويل غير الشرعي وحاليا ورغم التطور التكنلوجي فان الجماعات المسلحة والارهابيين لا يعانون من نقص امدادات المال فهناك ألف طريقة وطريقة لحصولهم على التمويل وايصاله لهم رغم كل الاحتياطات والمراقبة، اذن هذا لن يكون عذرا ولا ننسى ان تقنية “البلوك شين” هي جديدة، وربما تتطور مع الوقت وتكون هي من يمنع وصول الاموال للمتطرفين”، على حد قوله.
من جهته محمد الحسن، متداول ومستثمر في سوق العملات الرقمية، يقول: ” ان التداول التقليدي (سوق الفوركس) يعتمد بشكلٍ رئيسي على الرافعه المالية وامكانية خسارة الحساب (المارجن) أكبر في هذا السوق إذا لم يكن هناك ادارة أخطار صارمة للتعامل مع سوق الفوركس”.
