في تطور متوقع وشديد الخطورة تجدد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على شكل حرب قابلة للتمدد اقليمياً، حيث ان سيناريو اتساع مسرح العمليات العسكرية ودخول أطراف إقليمية ودولية على خط الأزمة لم يعد إلا مسألة وقت فقط.
وذلك لأن الصراعات والحروب الدولية الكبرى تُولد حافزاً للدول والمنظمات والجماعات التي تكون طرفاً في صراعات أخرى بمناطق مختلفة من العالم، للزيادة من أنشطتها العسكرية والأمنية والسياسية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على الارض، تصل إلى حد السعي لتصفية الأعداء أو تقليص قدراتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية، مثلما يحدث بين الفلسطينيين والإسرائيليين، باستغلال فرصة انشغال الدول الكبرى بالحرب في أوكرانيا.
وبالتالي فإن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم حدة الصراع الروسي – الغربي وامتداده لساحات أخرى مثلما حدث في افريقيا والشرق الأوسط يضع كل الصراعات المُجمدة أو المؤجلة في العالم أمام خطر أن تتطور إلى حروب إقليمية ودولية.
حيث إن كل طرف يسعى لتعزيز موقعه وتثبيت حضوره وتحقيق أهدافه في ظل أجواء دولية مشحونة بالفوضى وعدم الاستقرار.
سيناريو الحرب.. قبل عام من الآن!
نشرت مجلة جي فوكس الدولية قبل أكثر من عام تقريراً تحليلي بعنوان (حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل) تناول عدة سيناريوهات لحرب محتملة في الشرق الأوسط، حيث توقع محلل الشؤون الإستراتيجية في جي فوكس الدولية، تصاعد الاحداث تدريجياً على عدة جبهات (الأراضي الفلسطينية، إسرائيل، لبنان وسوريا).
وفي سياق التحليل الذي تضمنه التقرير، أن حركة حماس تستهدف المستوطنات الإسرائيلية بهجمات صاروخية مكثفة والمُسيرات وتُنفذ عمليات اقتحاميه نوعية بواسطة فرق خاصة تتسلل الى المناطق الإسرائيلية، وتتبع أسلوب الهجمات الخاطفة.
وفي غضون ذلك، تقوم إيران بهجمات سيبرانية ضد المؤسسات الإسرائيلية.
وفي نفس السيناريو ايضاً، توقع محلل الشؤون الاستراتيجية في جي فوكس، ان يتوسع نطاق الحرب الى مناطق في لبنان وسوريا.
أما في سياق الرد الإسرائيلي، توقع التقرير ان يكون عبر غارات جوية وهجمات صاروخية واسعة على الجبهات الثلاث، ثم توغل عسكري بري داخل الأراضي الفلسطينية.
ولم يستبعد ايضاً ان يقوم الجيش الإسرائيلي بالتوغل داخل مناطق لبنانية و/أو سورية على الحدود، وذلك يعتمد على المدة الزمنية التي تستغرقها الحرب، وسير العمليات العسكرية على جبهات القتال.
وتوقع التقرير سيناريو الحرب الحالية في سياق المواجهة بين إيران وإسرائيل بالشرق الأوسط، كما ان تداعياتها ستؤدي لمواجهة محتملة بين البلدين على عدة مستويات، حيث توفر إيران الدعم لحلفائها الإقليميين المتاخمين على الحدود مع إسرائيل، بينما ترد إسرائيل بقصف أهداف إستراتيجية في إيران.
للاطلاع على التقرير التحليلي ( حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل) المنشور عام 2022 :
وفي سياق التحليل والتوقعات لتداعيات الحرب على المستويين الدولي والإقليمي، نذكرها على الشكل التالي:
المستوى الدولي
ستُكرس الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية حالة الانقسام بالمواقف بين الدول الكبرى في إطار الصراع الدولي الحاصل والتحركات المتسارعة لإقامة التحالفات والتكتلات بين الدول والسعي نحو عالم متعدد الأقطاب.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الولايات المتحدة والغرب دعمهم الكامل لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، فمن المرجح ان يكون للصين وروسيا مواقف مغايرة عن الغرب.
حيث اعتبرت موسكو ما يجري دليل على فشل السياسة الأميركية بالشرق الأوسط، وكذلك الصين طالبت بوقف ما أسمته بالعقاب الجماعي على غزة، وأرسلت مبعوثا إلى الشرق الأوسط.
وجدير بالذكر ان بكين أعلنت في وقت سابق رغبتها بالوساطة في حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لاسيما ان للصين استثمارات اقتصادية كبيرة في إسرائيل، وتربطها علاقات وثيقة مع الدول العربية والفلسطينيين أيضا.
وبالتالي يمكن للصين ان تستثمر علاقاتها وثقلها الاقتصادي والسياسي بمساعيها المقبلة في هذا الملف.
إضافة إلى أن تحركات الصين ومواقفها تجاه الأزمة في الشرق الأوسط ستكون في إطار تنافسها مع الولايات المتحدة عالمياً.
بالنسبة لروسيا، ستتحرك سياسياً نحو دول إقليمية وستسعى ان يكون لها دوراً في الأزمة، لثلاث أسباب:
السبب الأول: لزيادة مستوى مشاركتها في إنتاج المواقف والأدوار في قضايا الأزمات الدولية لتعزيز نفوذها وتأثيرها الإقليمي والدولي.
كما ان انشغال الولايات المتحدة والغرب في حرب جديدة سيمنح موسكو الفرصة لتخفيف الضغط الدولي عليها في أوكرانيا، وهكذا فإن تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط سيزيد حجم الضغوطات والاعباء الاقتصادية على الحكومات الغربية، ولربما ايصالها للفشل السياسي.
السبب الثاني: للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، خاصة مع استمرار حالة التصعيد العسكري على الحدود فالجبهة السورية مرشحة أن تكون ضمن دائرة العمليات العسكرية بسبب انتشار جماعات مسلحة موالية لإيران فيها، والتي قد تشارك بالأعمال العسكرية ضد إسرائيل.
بالاضافة الى استخدام الأراضي السورية كممر لنقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان. وكان الطيران الحربي الإسرائيلي قد استهدف مخازن للأسلحة ومطارات في سوريا، آخرها قصف مطار دمشق واخراجه عن الخدمة خلال الحرب الأخيرة.
السبب الثالث: النظرة الروسية لإسرائيل بأنها جزءً من التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا.
المستوى الإقليمي
لا شك ان للحرب الحالية تداعيات ستُؤدي لتغييرات في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وإعادة توزيع للقوة والنفوذ عليها.
ومع استمرار حالة التصعيد العسكري بين الأطراف الرئيسية للحرب، وغياب المؤشرات على التهدئة، فذلك يعني ان الخيار الوحيد للأطراف المتصارعة هو الحرب ولا شيء سواه في الوقت الراهن.
وعلى الرغم من صعوبة الموقف الذي وضعت فيه إسرائيل بسبب العملية العسكرية التي أطلقتها حماس والفصائل الفلسطينية الاخرى، إلا أن حكومة نتنياهو والتيار اليميني المتشدد يستغلون المواقف المحلية والغربية الداعمة لإسرائيل، لتصفية أعدائهم في الداخل الفلسطيني، وفرض واقع سياسي جديد على الفلسطينيين، وتقليص قدرات حزب الله اللبناني والنفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
وبالتالي لن يكون أمام الإسرائيليين سوى خوض مغامرة الحرب والتي يعتمدون فيها على الدعم الاميركي والغربي.
وبالرغم من زخم الدعم الداخلي والخارجي للتيار اليميني بزعامة نتنياهو، خلال مرحلة الصراع، إلا أن هذه الحرب وتداعياتها ستكون السبب في خسارتهم سياسياً، وتراجع شعبيتهم في مرحلة ما بعد الحرب.
وعلى الجانب الفلسطيني ايضاً، تتولى حماس والفصائل الحليفة لها إدارة الحرب في الداخل الفلسطيني بدعم إقليمي من إيران وحزب الله.
ولكن في نفس الوقت، وعلى أقل تقدير، فإن القدرة العسكرية لحماس وحزب الله ستنخفض لأدنى المستويات بعد انتهاء الحرب، على المستويين الفلسطيني والإقليمي، وسيواجهون سخطاً شعبياً كبيراً نتيجة الدمار الهائل الذي ستخلفه الحرب، وبالتالي لن يكون لهما دوراً سياسياً بعد انتهاء الحرب.
وذلك على اعتبار ان مرحلة الحرب سيُرتكب فيها الكثير من الفظائع على المستوى الإنساني والاقتصادي والتدمير للبنى التحتية، وبالتالي فالأطراف التي تتخذ قرار الحرب ليس من المرجح ان يكون لها دور في عملية انهاء الصراع عبر مسار سياسي في المستقبل.
بالنسبة لإيران، ستسعى لتوسيع دائرة الحرب والأطراف المشاركة بها، في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية على المستويين الإقليمي والدولي، وللتخلص من عواقب الوقوف منفردة أمام الولايات المتحدة والغرب الذين يشيرون بأصابع الاتهام إليها بأنها الداعم الاقليمي للتصعيد العسكري ضد إسرائيل بالمنطقة.