قال الادميرال الروماني، رومولوس هالدان، النائب السابق لرئيس أركان القوات البحرية الرومانية وكبير المفتشين للقوات البحرية في وزارة الدفاع، “يوجد في العالم تسع مضائق بحرية حرجة، ثلاثة منها موجودة في الشرق الأوسط”.
وفي حوار خاص مطول أجرته مجلة “جي فوكس الدولية” مع أدميرال أسطول بالاحتياط، رومولوس هالدان، متحدثاً عن أبرز القضايا الجيواستراتيجية والجيوسياسية البحرية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال هالدان: ” ان الموانئ والمضائق هي جزء مما يطلق عليه تسمية “الممرات البحرية”، وإذا كانت “الموانئ “عناصر حساسة، ذات أهمية متغيرة، اعتمادًا على حجم الميناء وأهميته محلياً وإقليمياً، فإن “المضائق” هي عناصر ذات أهمية كبرى وتتجاوز خصوصية المنطقة وتصبح عناصر رئيسية في المعادلة الجيوسياسية والجيواستراتيجية الدولية.
وأضاف:” توجد في العالم تسع مضائق بحرية حرجة، ثلاثة منها موجودة في الشرق الأوسط، وهي: (مضيق باب المندب، مضيق هرمز، قناة السويس). موضحاً ان (الحروب والإرهاب) يشكلان أكبر تهديد للموانئ والمضائق البحرية في الشرق الأوسط”.
وأوضح أيضاً، ان الأنشطة الإرهابية قد تكون على مساحة محدودة، لكن تأثيراتها كبيرة جداً على الأهداف وإمكانية تكرار الهجمات بمرور الوقت، وساق مثالا على ذلك: “غرق سفينة في قناة السويس لا يتطلب مساحة كبيرة، لكن يمكن أن يعوق الملاحة لفترات طويلة من الزمن”.
وقال هالدان “ان الحروب، وخاصة تلك التي تشترك فيها قوات عسكرية من مناطق أخرى، تعرض الموانئ البحرية لخطر شديد، وخسائر اقتصادية فادحة، نتيجة أعمال الحرب في البحر، مشيراً الى: “الحظر والحصار”، وان اقتصادات الدول الواقعة تحت تأثير هكذا سيناريو تكون مهددة بالانهيار.
مصر..على الخارطة الجيواستراتيجية البحرية
وفي رده على سؤال وجهته ” جي فوكس” بخصوص الدول الاقليمية القادرة على ضمان أمن طرق التجارة البحرية، قال الاميرال الروماني: ” ان مصر تعمل بالفعل على تكوين قوة بحرية إقليمية كبيرة، وبالإضافة إلى أسطولها التجاري، لديها أسطولان عسكريان في البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر مع أربع قواعد بحرية.
وأضاف: ” مصر قطعت بالفعل شوطاً مهماً في بناء وتطوير قوتها البحرية، وتقوم بعملية تحديث الأساطيل وتجهيزها بسفن عالية الأداء، مثل سفينة مشروع ميسترال”. مؤكداً على ان الإجراءات التي تتبعها القاهرة كفيلة ان تضعها كقوة بحرية إقليمية في المستقبل.
أقرأ أيضا
ويرى الادميرال هالدان، ان مصلحة ليبيا تكمن بالتحالف مع مصر وتكوين قوة بحرية مشتركة في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط. مشيراً إلى ان استقرار الأوضاع في ليبيا سيشجع الليبيين على بناء قوة بحرية، وسيكون بإمكانهم التحالف مع المصريين على تطوير قوة بحرية إقليمية مشتركة، على حد وصفه”.
وأضاف” ان العمل البحري المشترك بين مصر وليبيا من جهة، مع تركيا من جهة أخرى، سيغير شكل المعادلة الجيواستراتيجية والجيوسياسية في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، مستبعداً حدوث ذلك التعاون بالوقت الراهن.
وأستطرد قائلاً ” إذا شكلت الدول الثلاث (مصر – تركيا – ليبيا) تحالفاً مشتركاً مع روسيا في حوض البحر الأبيض المتوسط، فإن ذلك سيغير جذرياً المعادلة الجيواستراتيجية والجيوسياسية للمنطقة، معتبراً ان هذا السيناريو يشكل تهديداً عملياً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بإزالته من المعادلة، وبالتالي يسُهل سيطرة روسيا على البحر الأبيض المتوسط وإعادة التموضع الاستراتيجي الذي كانت تسعى إليه موسكو منذ فترة طويلة، على حد وصفه”.
السعودية.. قوة بحرية صاعدة إقليمياً
ويقول الاميرال هالدان، ان المملكة العربية السعودية تتجه نحو وضع القوة البحرية الإقليمية أيضاً، بأسطولين وقاعدتين بحريتين رئيسيتين في الخليج العربي والبحر الأحمر. مضيفاً: ان احكام السيطرة على ممرات الاتصال البحرية في المنطقتين المذكورتين يتطلب وجود عدد معين من القوات البحرية غير متوفرة في الوقت الراهن لدى السعودية.
وأشار إلى إمكانية استفادة البحرية السعودية من دعم بعض دول المنطقة بشكل محدود في توفير قوة بحرية، وكذلك في مجال العمل البحري.
وقال أيضاً، ان استمرار المشاكل بين السعودية وإيران يُهدد أمن المنطقة، وخاصة ان إيران تمتلك قوة بحرية تميل إلى التطور إقليميًا، لا سيما من حيث عدد السفن وأقل من حيث القوة القتالية.
ويضيف:” ان إيران تتلقى دعماً قوياً من روسيا في تطوير قوتها البحرية، وهي تتمتع بهدوء نسبي في بحر قزوين بفضل علاقاتها الجيدة تلك مع الاتحاد الروسي، الأمر الذي يجعل ثقل المخاوف الإيرانية تنتقل إلى منطقة الخليج العربي وخليج عُمان لتطوير القوات البحرية هناك”.
وأعتبر، ان بناء علاقات إيجابية مستقرة بين دول المنطقة، وخاصة، السعودية وإيران، سيؤدي لمزيد من الحماية لطرق الاتصالات البحرية، وتوفير الأمن في منطقة الخليج العربي وخليج عُمان. مضيفاً ” سيكون بمقدور السعودية حينها تحويل مركز ثقل أعمالها لتأمين الاتصالات البحرية من المنطقة الغربية، إلى البحر الأحمر، خاصة وأن علاقاتها جيدة مع مصر، على حد قوله”.
“إسرائيل وإيران” … صراعات غير متكافئة لا نزاع عسكري!
وفي رده على سؤال وجهته “جي فوكس الدولية” بخصوص احتمالية اندلاع حرب عسكرية بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط، قال هالدان: لا أؤمن بوقوع نزاع عسكري بين إسرائيل وإيران، لأنه لا مصلحة للبلدين في التورط بحرب عسكرية، وهما يعلمون أنها ستؤدي إلى تدميرهما معاً. مضيفاً: ان كل طرف منهما يحاول إيجاد وضع معين لنفسه في المعادلة الجيواستراتيجية والجيوسياسية للمنطقة.
واوضح، “ان تل ابيب تقول انها تحارب الإرهاب من أجل بقائها كدولة وللدفاع عن العالم برمته من هذه الآفة، بينما طهران تقول إنها تقاتل الإرهاب، وهي تريد إنقاذ العالم الإسلامي من الخطر الذي تشكله دولة إسرائيل”. معتبراً ان كلا الطرفين يقوم بصناعة ذرائعه الخاصة من أجل توظيفها في الحصول على وضع معين في المعادلة الجيواستراتيجية والجيوسياسية للمنطقة”، على حد وصفه.
وأستطرد بالقول، ” ان النزاع العسكري يضع خيارات صعبة أمام البلدين، فإسرائيل ستكون مهددة من الدول الإسلامية بالمنطقة لتخوفها من ان تكون التالية بعد إيران، وهذا يعني حرب واسعة وطويلة لن تكون إسرائيل قادرة على تحملها حتى مع المساعدات الخارجية”. “وإيران كذلك ستكون مهددة بحرب من كل الدول الحليفة لإسرائيل إذا هاجمتها عسكرياً، ولن تكون قادرة على تحمل حرب من هذا النوع ولا تمتلك الموارد اللازمة لمواجهة كل حلفاء إسرائيل، حتى لو تلقت دعماً من روسيا، رغم ان الروس لن يفعلوا شيء سوى انتظار الفرص”.
وأستبعد هالدان، وقوع نزاعا عسكريا مباشرا بين البلدين، مرجحاً ان يكون صراع غير متكافئ، لأنه يصعب مواجهة هذا النوع من الصراع، على حد قوله” في إشارة إلى استخدام أدوات عدة في إدارة هكذا صراع، من بينها الوكلاء والحلفاء وغيرهم.
وأعتبر ان الحل الأمثل والوحيد هو ” السلام” والتعامل مع الحياة على أن العيش فيها هو حق للجميع، وعلينا تجنب الخلافات قدر الإمكان، معتبراً أيضاً ان الرغبة بالهيمنة هو مجرد نهج أحمق وعديم الجدوى، على حد تعبيره”.
واحة سلام.. بلا هيمنة!