أشار التقدير الاستخباراتي السنوي للاستخبارات الوطنية الأمريكي الصادر في فبراير 2022 “أن الشرق الأوسط سوف يظل منطقة تتميز بالصراع المستمر مع حركات تمرد نشطة في العديد من البلدان، والصراع بين إيران ودول أخرى، وإرهاب وحركات احتجاجية تثير أعمال عنف بين الحين والآخر”.
“لعبة طويلة الأمد”
في بداية عام 2018، شرعت الدوائر الأمنية والاستخبارية في الولايات المتحدة الأمريكية في تعقب خطط تنظيم القاعدة، والتنظيمات الخارجة من تحت عباءته، لإعادة تنظيم صفوفه من جديد بعد فترة تراجع نسبي لمدة أربعة أعوام شهدت صعود تنظيم “داعش”. ورأت تلك الدوائر أن تنظيم “القاعدة” سيصبح التهديد الإرهابي الأكثر خطورة، خاصة بعد أن تمدد التنظيم وأعاد تنظيم صفوفه في أفغانستان، والصومال، وسوريا، واليمن. وفي تقييم مغاير لتلك التوقعات، قال فلاديمير فورنكوف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، في شهادة أمام مجلس الأمن الدولي في 9 فبراير 2022، أن مسار الأحداث يشير إلى أن تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، والتنظيمات الفرعية لهما، يشكلان تهديداً حقيقياً وأن الحرب العالمية على تنظيم داعش في العراق والشام ،والجماعات التي خرجت من التنظيم الرئيسي، تنبئ بما سماه “لعبة طويلة الأمد”.
“لامركزية” التنظيمات الارهابية
يقول عزت إبراهيم، رئيس تحرير الاهرام ويكلي والخبير في العلاقات الدولية، “إن الاختلاف بين طبيعة تنظيم داعش في الأعوام التي شهدت صعوده واليوم هو أن التنظيم صار أكثر تشظياً وأكثر لامركزية وهو ما يمكّنه من الاستمرار. مضيفاً “إن قدرة التنظيم على تسويق نفسه باعتباره “دولة” قد ضعفت ولم يعد بإمكانه حيازة مساحات من الأراضي مثلما فعل في ذروة انتصاراته، إلا أن عناصره مازالت في إمكانها القيام بشن هجمات عسكرية “منسقة” تخلف دماراً كبيراً”.
ويقول عزت إبراهيم، في دراسته “تأثير الحرب في أوكرانيا على حركات التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط”، المنشورة في “تريندز” للبحوث والاستشارات،” تتجه التنظيمات الإرهابية إلى مزيد من اللامركزية في عملها نتيجة الضربات التي لحقت بها في العراق وسوريا، وبما أنها تنتظر دائماً الفرصة السانحة التي توفرها عوامل داخلية أو خارجية لإعادة إنتاج نفسها من جديد، يقوم تنظيم داعش بمواصلة تمويل فروعه ومنحها مزيداً من قوة الدفع في مناطق أخرى، مثل التنظيمات التابعة في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، ليبقى التنظيم في مركز “الإلهام” للتنظيمات الموالية، وهو ما أدى إلى ظهور نسخ أكثر دموية.
ورأى إبراهيم، في غياب المعالجات الأمنية والعسكرية المناسبة للتهديدات المتصاعدة فرصة للتنظيمات الإرهابية للتوسع في أنشطتها كما حصل في موزامبيق والكونغو الديمقراطية، بسبب غياب الدعم الدولي الكاف لتلك الدول في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، ويقول” ينشط الإرهاب في الدول الفاشلة ومناطق الصراعات والأماكن التي تشهد فوضى في إدارة الحكم، ففي ظل وجود البدائل في مناطق خصبة لعمل مقاتليه، يمكن لأعضاء تلك التنظيمات الانتقال ما بين العديد من هذه المناطق للاختيار من بينها، بما في ذلك أفغانستان وأجزاء من أفريقيا حيث تتسم سياساتهم بالبراغماتية وهي سمة لعمل الحركة الجهادية في العقدين الماضيين”.
“تداعيات الصراع الدولي”
إن وجود تنافس بين تحالفين عسكريين أو أكثر هو أقصر طريق لعودة أجواء الحرب الباردة ويمكن أن تعود “الحروب بالوكالة” أيضاً. في مثل هذا المناخ يمكن للتنظيمات العقائدية العابرة للحدود، ومنها التنظيمات الجهادية الإرهابية، أن يكون لها دور في حروب الوكالة تسمح لها بالتمدد والانتشار.
ويقول عزت إبراهيم، ان التنظيمات الإرهابية قد تتجه في الشرق الأوسط إلى محاكاة نموذج استغلال أزمة جائحة كوفيد – 19، في التمدد والانتشار مثلما فعل تنظيم “داعش” في عدد من مناطق أفريقيا حيث استغل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لانتشار الوباء لكسب مواطئ أقدام في مناطق جديدة بعد أن قامت دول عدة بتوجيه الموارد الخاصة بمكافحة الإرهاب إلى الجهود التي تستهدف مواجهة آثار الوباء”.
وفي مقاربة للأوضاع الاقتصادية الناجمة عن الأزمتين العالميتين (كوفيد والحرب في أوكرانيا) يرى إبراهيم، ان التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا، اثرت بشكل كبير على مجتمعات العالم النامي، بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي والحبوب، حيث لم تعد بعض الدول قادرة على توفير متطلبات أسواقها المحلية في وقت تعاني فيه الموازنات العامة لأغلب دول المنطقة عجزاً مالياً كبيراً.
وذلك يعد مؤشراً خطيراً على تفاقم الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تستغلها التنظيمات الإرهابية في إعادة تنظيم صفوفها والقيام بعملياتها للتوسع في مناطق مختلفة.
وتماشياً مع حاجة تلك التنظيمات لعناصر جديدة في صفوفها لنشرهم في مناطق تمددها. يقول إبراهيم، “إن التجنيد الجماعي للمقاتلين الأجانب ليس بالأمر الجديد، وموجة الجهاديين الذين ذهبوا للقتال في أفغانستان والعراق وسوريا، في العقود السابقة، دلالة على ذلك”.
ويضيف، ان استمرار القتال في أوكرانيا دون التوصل لحل سياسي، يؤدي لاستمرار تفاقم الازمات عالمياً، وبالتالي ستستغل الجماعات المتطرفة انشغال القوى الكبرى في صراعها، ومحاولة تجميع قواها لشن هجمات مؤثرة في مناطق بعينها بغية استعادة بعض من نفوذها المفقود، خاصة في سوريا والعراق وأفغانستان وبعض مناطق أفريقيا.
وعلى الرغم من ذلك، يرى إبراهيم، ان الحرب في أوكرانيا برهنت على ان الولايات المتحدة، وفي سبيل تأمين مصالحها الاستراتيجية في بقاع اخرى، لن تتراجع عن التزاماتها في الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، حيث تفرض المنافسة بين القوى الكبرى على مساحة رقعة واسعة في أوراسيا والشرق الأوسط تحجيم طموحات المنافسين الرئيسيين (روسيا والصين).
وهذا الرأي قد يكون فيه تفسيراً مناسباً لجانب من تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته للمنطقة، ان بلاده لن تترك فراغاً (للصين وروسيا) في الشرق الأوسط. حيث يرى محللون استراتيجيون أن التركيز على منافسة القوى الكبرى وحدها قد يؤدي إلى انتكاسات طويلة الأجل لسياسات مكافحة الإرهاب والإضرار بمكانة الولايات المتحدة عالمياً أيضاً، فضلاً عن فرضية ان تعمل قوى منافسة على توظيف بعض التنظيمات الإرهابية لضرب المصالح الامريكية في “حرب بالوكالة”.
ورأى رئيس تحرير الاهرام ويكلي، ضرورة في عقد الدول العربية منتدى أمني لمناقشة الهواجس الأمنية المصاحبة للأزمة في أوربا ومواجهتها، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وكذلك العمل المشترك من خلال مؤسسات الجامعة العربية لمعالجة أزمة الغذاء وتوفير الدعم اللازم للمناطق الأشد تضرراً، وبناء نظام عربي إقليمي جديد في عالم يتجه لمزيد من التحالفات القوية.
“سيناريوهات”
