تلعب المؤسسات الفكرية دور رئيسي في الخطاب المستمر من خلال توفير التحليل والمشورة بشأن تأثيرات أهداف التنمية المستدامة وأفضل الوسائل لتنفيذها. يمكن لمراكز الدراسات والبحوث أن توفر رابطًا حيويًا ودورًا وسيطًا بين المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية الذين يُعدون المساهمين الرئيسيين في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وقد انتقلت اليوم مراكز الفكر من خلال لعب دور رئيسي في دراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتحليلها فقط، الى المشاركة في صنع المستقبل من خلال دعم صناع القرارات والسياسات بالأفكار والاستراتيجيات الجديدة والمبتكرة التي ترسم ملامح سياستهم وتوجهاتهم المستقبلية.
لقد قدمت مؤسسات الفكر والرأي هذه الأنواع من المساهمات في الماضي. على سبيل المثال، كان ليو باسفولسكي (1893- 1953)، الخبير في مؤسسة بروكينغز، دورًا أساسيًا في المساعدة في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تقديم توصيات ملموسة ساعدت في تشكيل خطة مارشال. لعبت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بقيادة رئيسها آنذاك رافائيل ليمكين (1900-1959)، دورًا محوريًا في تعزيز إقرار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، مدفوعة بالحاجة إلى منع وقوع محرقة أخرى. في خضم الأزمة المالية لعام 2008، ساعدت مقترحات (CIGI ) للابتكار في نظام ( G8)على إنشاء مجموعة قادة ( G20).
ويكون دور مراكز الفكر في إشراك الجمهور وصناع السياسات في أهداف التنمية المستدامة فضلا عن إعداد الاستراتيجيات والبرامج التي تساعد على تنفيذه اهداف التنمية، ومعالجة التحديات مثل قضايا عدم المساواة ، وتشكيل بيئات العمل والمعيشة الصحية، وهذا يعني ليس فقط تحليل وتقييم التقدم نحو الأهداف ، وتوجيه تصميم خطط البرامج الوطنية ودعم تنفيذها بالطرق التي تخدم تحقيق اهداف التنمية المستدامة نحو تحقيقها، ولكن أيضا العمل كوسيط للمعرفة بين القواعد الشعبية ونخب المجتمع الاكاديمية والسياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وأصحاب المصلحة، لتمكين حوار أكبر واشمل للخروج برؤية واضحة لمجريات الاحداث.
تعمل مراكز الدراسات والفكر والبحوث كجهة مستقلة وبمثابة وسيط للمعرفة بين القواعد الشعبية وصانعي السياسات وأصحاب القرار من خلال ترجمة البحوث التطبيقية والمعلومات الأساسية والدراسات الاستشرافية إلى لغة وشكل مفهومين من قبل جميع الاطراف.
بصورة عامة، يمكن القول ان مراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي لاتزال حديثة عهد وليس لها تأثير قوي ولا يمكن مقارنتها مع مراكز الدراسات والبحوث في باقي دول العالم. ومن الجدير بالذكر ان تحقيق اهداف التنمية المستدامة يعتمد بشكل اساسي على الإرادة الوطنية والسياسات والبرامج المتبعة من قبلها والواقع السياسي لكل بلد ويشمل السياسات والانظمة السياسية والاقتصادية والاعراف الاجتماعية والأيدولوجيات وأجندات التنمية، التي سيكون لها تأثير على تحقيق الأهداف على المستوى المحلي، وبالتالي تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مستوى العالم.
وتختلف مراكز الفكر عن الجامعات، فهي لا تقدم مناهج دراسية؛ بل هي مؤسسات غير ربحية، وإن كانت تشترك معها في انتاج الأبحاث، كذلك تختلف في مهام وطبيعة عملها عن منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالجانب الرعوية بينما مراكز الفكر والدراسات تختص بالجوانب التوعوية.
وفي منطقة الشرق الأوسط (اسرائيل) أكثر من يهتم بتلك المراكز، حيث أدرك مبكرًا أهميتها؛ لذا أنشأت أكثر من خمسين مركزًا، متوزعة بين الامور الداخلية السياسية والاقتصادية، والسياسات الخارجية، كذلك تولي أهمية كبيرة للدراسات الأمنية أو الشؤون العسكرية والاستراتيجية.
أما في الوطن العربي، فقد تم الاهتمام بإنشاء مراكز البحوث والدراسات خلال العقود القليلة الماضية، توزعت بين الجامعات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، لكن دور هذه المراكز اختلف عما هو موجود في الدول الغربية، ولم تتبوأ هذه المراكز مكانها الحقيقي ولم تمارس دورها الحيوي بالمشاركة في صنع القرار أو تقديم ما يلزم من مشورة و دراسات رصينة تسهم في صنع السياسات العامة، ويبدو دور معظمها ضعيفا ومحدودا وغير فاعل بسبب المعوقات الكثيرة التي تحيط بها، ونظرا لطبيعة الحياة السياسية العربية وطبيعة أنظمتها.