خلال القرن الخامس قبل الميلاد، قال القائد العسكري الصيني صن تزو في كتابه الشهير (فن الحرب) ” ليس بالضرورة تدمير العدو جسدياً، انما يكفي تحطيم إرادته للقتال”، ومن أقواله أيضاً “من الأفضل مهاجمة تفكير العدو، بدلا من البدء بشن الهجوم على مدنه المحصّنة”. وفي الصين القديمة أيضاً، الملك جوجيان كان يضع في الصف الأول عددا من جنوده الأوفياء ويأمرهم بقطع رقابهم بأيديهم، الأمر الذي يسبب صدمة لدى جنود عدوه، حينها يهجم جوجيان قبل أن يفهم العدو ما يحدث أمامه. وجرى استخدام هذه الطريقة خلال العصور الوسطى من قبل أحد ملوك أوروبا حيث كان يضع المحكوم عليهم بالإعدام في الصفوف الأولى ويقومون بقطع رقابهم بأيديهم، وذلك بعد أن يعمل لهم غسيل دماغ ويقنعهم بأنّهم بفعلهم هذا يقدّمون تضحية كبيرة للوطن، وسيعيش بفضل صنيعهم هذا أبنائهم وذويهم في أمن وأمان.
عُرفت الحرب النفسية خلال التاريخ البشري منذ أقدم العصور، حيث أستخدم الانسان ” الخداع” كوسيلة لتحقيق أهدافه وغاياته، سواء كان لغرض البقاء على قيد الحياة، أو للدفاع عن نفسه من الأعداء، أو للهجوم على الاخرين للحصول على مكاسب معينة، وهكذا مورست الحرب النفسية بشكل بدائي بادئ الأمر، ومن الأمثلة على ذلك، أنّ بعض قبائل الازتيك في أمريكا الوسطى بدولة المكسيك عندما يجتاحهم عدو يقومون بإصدار أصوات مخيفة جدا عن طريق جماجم بشرية، فيجعلون ثقبا في مؤخر الجمجمة وينفخون فيه الهواء بقوة، ليصدر صوتاً يسبب الذعر في صدور الأعداء، وقدّر الخبراء الذين عاينوا تلك الصافرة التي هي عبارة عن جمجمة إنسان بأنّ الصوت الذي تصدره أقوى مئة مرة من صوت إنسان يصرخ، مما يضطر الغزاة في غالب الأحيان إلى التراجع والانسحاب اعتقادا منهم أنّ هذه الأصوات المرعبة تصدر من قبل أرواح شريرة، وأنّها ستهلكهم اذا ما تجرؤوا واقتربوا منها، وهذا نوع من أنواع الحرب النفسية تحت مسمى “التخويف”. وكذلك ما قام به ملك الفرس “قمبيز” عندما تصدّى للجيش المصري وهزمهم بكل سهولة، حيث أمر برسم أشكال لقطط على دروع جنوده ووضعهم في الصف الأول، وحينما تقدّم الجيش المصري بقيادة “بسماتيك الثالث” رأوا تلك القطط مرسومة على دروع الجنود فلم يتمكنوا من الهجوم خوفا من نذير الشؤم الذي قد يصيبهم إذا ما اعتدوا على تلك الرموز المقدسة عندهم، فقد كانت لها مكانة عظيمة كما أنها محلّ اجلال وهيبة بالنسبة لهم، ولا تزال بعض الطرق تستعمل حتى يومنا مثل هذه للتخويف ونشر الرعب والهلع وإن كان في زمننا الراهن أضحت أكثر تطورا وتعقيدا وأقوى تأثيرا في النفوس. ويندرج ضمن هذا أيضا ما كان يقوم به المغول إبّان اجتياحهم لكثير من دول آسيا والدول الإسلامية آنذاك، فقد اعتمدوا على الحرب النفسية بشكل فعال، وكانوا ينشرون الشائعات ويبثون الرعب في نفوس أعدائهم، وقد استسلمت لهم بالفعل كثير من الحصون حتى قبل الاغارة عليها، بسبب ما كان يصل إليهم من قصص وشائعات بأن المغول يذبحون كل من يقف في طريقهم، ولا حل معهم إلا الاستسلام والانقياد التام.
خلال العصور القديمة وقعت الالاف من الحروب والصراعات البشرية وارتكبت فيها فضائع بحق الإنسانية، ولكن توثيق كل تلك الاحداث لا يتجاوز سطور نقرأها في كتب التأريخ، وبالتالي فإن تأثيرها على نفوسنا ضعيف إلى حد ما، ولو اقتربنا أكثر إلى فترة الحربين العالميتين، فإن التوثيق فيهما أكثر دقة، من خلال الكتابات والصور ومقاطع فيديو سيئة الجودة، وبالتالي فأنها تركت أثراً كبيراً في نفوسنا البشرية، ولكن في وقتنا الحاضر فإن دقة وسرعة التوثيق للأحداث وسهولة إجراء ذلك، حيث أصبحت الاحداث تُنقل إلينا كما هي بالضبط بأدق التفاصيل، لذلك فإن تأثيرها على نفوسنا كبير جداً ومستمر بفضل التكنلوجيا والتقنيات والأجهزة الالكترونية والتي تنقله بتفاصيله أجيال أخرى. يذكر أن أول ظهور لمصطلح ” الحرب النفسية” كان على يد الأمريكي لينبارجر، سنة 1954 حيث يقول: “إنها الاستخدام المنظم للدعاية والتدابير الإعلامية المقاربة بهدف التأثير في آراء وعواطف فئات الأجانب في البلدان المعادية من أجل تحقيق أهداف السياسة القومية أو الأهداف العسكرية”.
مع استمرار التطور في مجال العلوم والتكنلوجيا وتراكم الخبرات والمعرفة في مختلف المجالات توسعت حدود الاستخدام للعامل النفسي في الحروب الحديثة، بعد ان كانت الحروب القديمة تنشب بين الدول أو مجموعات من الفرق المتصارعة على مصالح معينة باستخدام أسلحة تقليدية وبمشاركة من أفراد مدربين على القتال واستخدام السلاح، فقد أصبح استخدام التكنلوجيا في الحروب الحديثة أمراً واقعياً أكثر من السابق، وتخطت مشاركة الأفراد أو الجنود المدربين على الأمور العسكرية، إلى مشاركة الأفراد العاديين فأصبحوا جنوداً أو وقوداً لحروب لا تقل ضراوة عن حروب الجبهات العسكرية، سواء كانوا على يدركون مشاركتهم تلك أم لا، فوسائل الاتصال والتواصل الحديثة مثل: الانترنيت وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها، أصبحت أسلحة غير تقليدية في حروب غير تقليدية ” الحروب النفسية” تُستخدم يومياً وعلى مدار الساعة من قبل كل الأطراف المنخرطة في هذا النوع من الحروب الخطيرة. ولا تُستثنى التنظيمات الإرهابية من توظيفها للعامل النفسي وبقوة في كل السلوكيات والافعال الوحشية التي تمارسها، بل انها وجدت ضالتها في استخدام العامل النفسي سواء في عملياتها العسكرية أو أنشطتها الإعلامية وخطاباتها السياسية.
أشارت بعض الكتابات العلمية في مجال علم النفس إلى أن الإرهابيين هم في الأصل أناس عاديون وليسوا ساديين أو مضطربين نفسيا كما يعتقد العديد، بل يتم قيادتهم عبر ديناميكية المجموعة للقيام بأعمال مؤذية للآخرين لأسباب يعتقدون بأنها نبيلة وعادلة، إن الإرهاب هنا يعمل على إعادة تشكيل تلك الديناميكية لإظهار القيادة المتطرفة بصورة أكثر جاذبية للآخرين، إنه وبعد تجارب نفسية عديدة تبين أن كل فرد قادر على ارتكاب فعل متطرف تحت ظروف مناسبة أو غير مناسبة. كما أن الأمر ليس حصريا فقط على المضطربين نفسيا أو المتعاطين لمواد مخدرة، بل يتم التخدير في إطار الجماعة وبوجود قائد يتم اتباعه في أي شيء، يتم التركيز هنا على الجانب العقائدي والنفسي للمستقطب، باستثارة الجوانب الهشة بشخصيته وبالمضي وفقا لما يؤمن به ويقدسه، فبعد توفير الإلهام الروحي للإرهابيين من طرف القادة يتم تمرير أفكار شاذة للاوعي خاصتهم وعلى عكس ما هو شائع بأن الإرهابيين مؤمنون حقيقيون لكنهم يتعرضون للضغط في إطار ديناميكية الجماعة، وأنهم يعلمون ما يفعلون، فإن الإرهابيين يتم استقطابهم وفقا لمعايير نفسية دقيقة تعتمد على سبيل المثال على الخلافات الجماعية والتي تستغل من طرف القادة لخلق صراع نفسي داخلي بشكل أولي يجعل الضحية متحدا بشكل لا إرادي مع القائد المتطرف في سبيل محاربة الجماعة المعادية. إذا الإرهاب لا ينشأ أبدا من فراغ، بل ينشأ ضمن مجموعات متشرذمة من الحركات الأكبر المعارضة الاجتماعية والسياسية. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى طبيعة (معسكرات التدريب) التي تنظمها الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، حيث يتم إدخال الأعضاء الجدد إلى تلك المعسكرات لفترات زمنية معينة، يتم خلالها عزلهم تماماً عن الحياة الخارجية العادية، لغرض تجهيزهم نفسياً وفكرياً وبدنياً عن طريق برامج تدريبية مكثفة وكلها تصب في تجاه واحد، وهو الحث على القتال وإطاعة أوامر قادة التنظيم الارهابي. ومن بين المحفزات النفسية التي يتلقوها باستمرار، هو تكرار فكرة المظلومية وانهم يحاربون العالم برمته لأنهم على حق والاخرين على ضلال، وبأفعالهم تلك سيجلبون العدل والسلام للعالم عبر إنشاء نظام عالمي جديد، وان ذلك الحُلم لا يتحقق إلا من خلال قتالهم للحكومات والمجتمعات وتغييرها بالقوة. تلك أبرز الأفكار التي يكررونها باستمرار على الأعضاء الجديد في معسكرات التدريب.
ان التوسع في دراسة ظاهرة الإرهاب يقودنا إلى طرح السؤال التالي: هل يمكن لاتباع الحركات السياسية والاجتماعية أن يتحولوا لإرهابين يحملون السلاح ويهددون أمن المجتمع والدولة أو النظام الدولي برمته مثلما يحدث من قبل التنظيمات الإرهابية الدولية؟ الجواب: نعم. يمكن حدوث ذلك، بشكل أو بآخر، على الرغم من أن الحركات السياسية لا تتبنى في الغالب أساليب العنف، إلا أن الأسس الأيدولوجية التي تقوم عليها قد تسمح لبعض أتباع هذه الحركات بتبرير التحول إلى العنف. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى طبيعة الخطاب السياسي الذي تستخدمه الجماعات الإرهابية مثل: القاعدة وداعش وغيرهم، لطالما أكدوا فيه أن تحقيق أهدافهم أو الوصول إلى الحالة المثالية التي ينادون بها لن تتحقق عبر الطرق والأساليب السلمية، ودائماً نجد في خطاباتهم تلك، تكرارهم الاتهامات لكل طرف يخالفهم الرأي سواء من الناحية الدينية أو السياسية، حتى من المسلمين أنفسهم، بل أن هذا النوع من التنظيمات المتطرفة يستمرون في شن حروبهم داخل المجتمعات الإسلامية بشكل مباشر، لأنهم يعتبرونها مناطق رخوة لعملياتهم العسكرية لعدة أسباب منها: دينية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية. وينتقلون بعملياتهم الإرهابية النوعية إلى دول ومجتمعات غير إسلامية، مثلما حدث في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى من العالم، لغرض التأثير على قرارات تلك الدول في القضايا الدولية، وكذلك لإشعار العالم بقدرتهم على الوصول إلى كل مكان في العالم، واطفاء طابع عالمي على أعمالهم الإرهابية.
مفهوم التوحش من منظور فكري للجماعات الإرهابية
في عام 2008 عثرت السلطات السعودية على نسخة من كتاب (إدارة التوحش Management of Savagery) وأعلنت وزارة الداخلية السعودية في بياناً رسميا لها أن الكتاب يشكل أحد الأعمدة الفكرية لتنظيم القاعدة، كما ترجمته وزارة الدفاع الأميركية للغة الإنجليزية بعد أن عثرت المخابرات الأميركية على وثائق ورسائل موجهة من وإلى أسامة بن لادن تشمل فصولاً من هذا الكتاب، فاهتم به المختصون الأميركيون وقام مركز مكافحة الإرهاب في كلية ويست بوينت العسكرية بترجمته إلى الإنجليزية بعنوان إدارة الوحشية وتم توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأميركية والمسؤولين في وزارة الدفاع. وعلى الرغم من أن مؤلف الكتاب، كما هو مكتوب عليه ( أبو بكر الناجي) إلا أن العديد من الخبراء والمحللين الأمنيين اعتقدوا أنه أسم وهمي، ولكنهم أكدوا على أهمية وخطورة محتوى الكتاب، لأنه قد وضع أسس فكرية استراتيجية للكيفية التي سيكون عليها سلوك الجماعات الإرهابية. وتزامن ذلك مع التحولات الكبيرة في سلوكيات التنظيمات الإرهابية. ان دراسة هذا الكتاب تقودنا لفهم السلوك الوحشي لتنظيم داعش الإرهابي، حيث أن ظاهرة داعش تعتبر متطورة بشكل واضح عن ظاهرة القاعدة، خاصة فيما يتعلق بإقامة الدولة. خلاصة ما قام به داعش طوال سنوات إحتلاله لمناطق في العراق وسوريا وعملياته الإرهابية في مناطق أخرى لم تكن سوى تطبيقاً عملياً لما جاء به كتاب إدارة التوحش. حيث إن هذا الكتاب، حدد ثلاثة مراحل رئيسية تمر بها التنظيمات الجهادية، وأقترح طرق وأساليب القتال والتعامل مع المجتمعات المحلية والحكومات في دول العالم، موضحاً الأسباب بدقة تامة. وبحسب الكتاب، ان المراحل الثلاث تكون على الشكل التالي: (مرحلة شوكة النكاية والإنهاك، مرحلة إدارة التوحش، مرحلة قيام الدولة). بحسب الكتاب ايضاً، ان مرحلة (شوكة النكاية والإنهاك) هي أن تقوم مجموعات وخلايا منفصلة باستهداف الدول في العالم الإسلامي، حتى تحدث فوضى وتوحش في مناطق معينة في الدول المستهدفة، بينما لن تحدث فوضى في مناطق أخرى، والمعيار في ذلك هو حجم قوة ومركزية الحكم في الدول المستهدفة. ثم ترتقي مناطق الفوضى والتوحش إلى مرحلة إدارة التوحش. وفي نفس الوقت، تستمر العمليات الإرهابية في الدول القوية حتى تصل إلى مرحلة الإنهاك ثم الانتقال الى الفوضى والتوحش ثم إدارة التوحش، والمقصود به، تمكن الجماعات الإرهابية من السيطرة على المناطق المتوحشة وإدارتها بشكل مباشر، مشيراً إلى ضرورة استبعاد القيام بعمليات مشابه لعملية الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، والتركيز أكثر على عمليات إرهابية أصغر حجماً ولا تتطلب أوامر القيادات العليا للتنظيمات الإرهابية. ورجح أيضاً، خروج بعض المناطق الهشة التي تتعرض لعمليات إرهابية عن سيطرة الحكومات الرسمية، مشدداً على ضرورة إبرام التحالفات مع مجموعات جهادية في المناطق المتوحشة لغرض احكام السيطرة على تلك المناطق في حال سقوطها، أو أنها قد تصبح تحت سيطرة جماعات مسلحة أخرى مناهضة لهم. وفي مقاربة واقعية للأفكار الواردة في الكتاب وخارطة انتشار الجماعات المسلحة في سوريا، خاصة خلال فترة سيطرة داعش على مناطق واسعة من الأراضي السورية، فتنوع الجماعات المسلحة فرضت واقعاً شديد التعقيد، فعلى سبيل المثال: سيطرة جماعات مسلحة كردية على مناطق الاكراد، وسيطرة جماعات إرهابية ومنها القاعدة على مناطق أخرى، وكلاهما لا يلتقيان مع داعش على مشروع، بل وقعت بينهم مواجهات مسلحة خلال فترة الازمة السورية. واللافت ان كتاب إدارة التوحش، يصف هكذا مرحلة بأنها ستساعد المقاتلين على اكتساب المزيد من الخبرات القتالية العالية، والاستعداد العملي والنفسي لمرحلة: إدارة التوحش.
وبحسب الأفكار الواردة، فإن هذه المرحلة تستغرق مدة زمنية طويلة نسبياً، خاصة عند استهداف دول ومناطق تحظى بنظام أمني وسلطة مركزية قوية، ولكن شددت على ضرورة تكرار العمليات الارهابية على كل الأهداف التي يمكن الوصول إليها حتى لو لم تكن على درجة عالية من الأهمية التي تشكل خطراً جوهرياً على أمن واستقرار الدولة. حيث يتم اختيار أهداف سهلة لتدميرها بشدة بهدف إرباك السلطات الرسمية، وزرع الخوف في نفوس المواطنين وأعضاء الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ان المقصود بالتوحش من منظور الفكر الإرهابي، هي مناطق يتواجد فيها التنظيم الإرهابي أو حلفاءه من الجماعات الإرهابية الأخرى، وتكون الفوضى قد انتشرت في تلك المناطق فيكون من السهل على التنظيمات الإرهابية سيطرتها وإدارتها للمناطق المتوحشة، وبعدها يبدأ التنظيم الإرهابي باستقطاب أتباعه والمؤيدين إليه من شتى المناطق ودول العالم، لغرض تعزيز قدراته العددية والقتالية. وبعدما تتمكن الجماعات الإرهابية من احكام سيطرتها على المناطق المتوحشة، تنتقل إلى المرحلة الثالثة، إقامة الدولة. وهذا السيناريو قد طبق من قبل داعش خلال السنوات الماضية.
الابعاد النفسية في السياسات القتالية للتنظيمات الجهادية الارهابية
سياسة (دفع الثمن/ الانتقام): تعتمد التنظيمات الإرهابية سياسة الانتقام، خاصة خلال مرحلة الانهاك كأساس في عملياتها الإرهابية، وحتى في مرحلة إدارة التوحش فأنها تؤكد على ضرورة الاستمرار في استخدام سياسة الانتقام. وهي سياسة تقوم على أساس استهداف كل ما يمكن استهدافه في جانب العدو بشدة رداً على أي عملية عسكرية/ أمنية/ أو موقف سياسي يتخذه ذلك الطرف ضد التنظيم الإرهابي. وهي سياسة تشمل (الأفراد، المؤسسات، الحكومات..ألخ). وهدف هذه السياسة هو منع العدو من القيام باستهداف مناطق التنظيم الإرهابي أو خفض العمليات العسكرية وسياسات مكافحة الإرهاب ضد التنظيم الإرهابي.
سياسة ( الفخ ): بحسب الكتابات المنشورة من قبل منظري التنظيمات الإرهابية، لم تكن عملية الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك لغرض القتل بحد ذاته، انما لتحقيق مجموعة من الأهداف مثل: خلق هالة إعلامية دولية عن قوة التنظيم الإرهابي، كسر هيبة الولايات المتحدة أمام العالم، زرع الخوف والقلق لدى الشعب الأمريكي، زرع عدم الثقة لدى الأمريكيين بحكومتهم ومؤسساتهم الأمنية، دفع الولايات المتحدة على إرسال قواتها العسكرية إلى مناطق تواجد التنظيم الإرهابي لأن ذلك هو الحل الوحيد لتحقيق عنصر المواجهة المباشرة بين التنظيم الإرهابي والقوات العسكرية الامريكية.
سياسة (الذئاب المنفردة): طورت التنظيمات الجهادية الإرهابية أساليب قتالها خاصة خلال السنوات الأخيرة مع ظهور تنظيم داعش، الظاهرة المتطورة عن تنظيم القاعدة، حيث ان تنظيم القاعدة لم ينادي بقيام دولة لها كيان مثلما فعل تنظيم داعش، فهو قد نادى بقيام دولة لها كيان وتسعى للتوسع بالسيطرة على مناطق جديدة يضعها تحت سيطرته. الذئاب المنفردة هو مصطلح يشار فيه إلى الأفراد الذين يكونون أعضاء في التنظيم الإرهابي أو ينتمون عقائديا لأفكاره وغالبا يكونون قد تلقوا تدريبات مكثفة نفسياً وبدنياً للانخراط في المجتمعات المحلية لغرض القيام بعمليات إرهابية نوعية ( عمليات انتحارية، تفجيرات، عمليات قتل لأشخاص ..ألخ) ويتميز هذا الأسلوب بأنه لا يقوم الفرد بتلك العمليات ضمن مجموعة من الافراد، وانما يقوم بها لوحده.
مواجهة الإرهاب الدولي: فهم العقلية ومكافحة الأسباب!
يقول محلل الشؤون الاستراتيجية في جي فوكس الدولية” ان فهم طرق وأساليب التفكير والاعداد لدى التنظيمات الإرهابية يتطلب منا فهم الأبعاد النفسية في عملياتهم العسكرية والإعلامية والسياسية. فالحرب النفسية لا تقتصر على وسائل الاعلام والخطابات السياسية، حيث ان العمليات العسكرية والتخريبية لها أبعاد نفسية مهمة، ان فهم تلك الأبعاد النفسية يساعد في إيجاد طرق وصياغة سياسات ناجحة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز الامن والاستقرار الدوليين”.
ويقول ايضاً ” ان التنظيمات الإرهابية عملت منذ زمن طويل على توظيف العامل النفسي بقوة في كل عملياتها المسلحة وموادها الإعلامية وخطاباتها الدينية والسياسية. حيث تعتمد التنظيمات الإرهابية مجموعة من السياسات التي تتبعها في التعامل مع أهدافها ( دول، مناطق، مجتمعات، حكومات..ألخ) تميزت بالقسوة والشراسة المفرطة، والتي يُدرب عليها أعضاء تلك التنظيمات قتالياً ونفسياً وثقافياً، مثل: ( قطع الرؤوس، حرق الاحياء، التمثيل بجثث القتلى، التفجيرات الانتحارية، السيارات المُلغمة، عمليات الاعدام أمام العامة..ألخ) لعدة أهداف رئيسية: زرع الخوف والقلق في نفوس القادة في الدول والمناطق المستهدفة، زرع الخوف والقلق في نفوس أفراد المؤسسات العسكرية والأمنية في تلك المناطق لغرض إجبارهم على التعاون مع الإرهابيين أو خفض الروح القتالية لديهم خلال المواجهات المسلحة مع الجماعات الإرهابية، زرع الخوف والقلق لدى السكان المدنيين في مناطق العمليات الإرهابية لغرض إجبارهم على التعاون مع الإرهابيين للحفاظ على أرواحهم وأملاكهم، وكذلك إيصالهم لحالة عدم الثقة بالسلطات الحكومية الرسمية في بلادهم، وجعلهم يستسلمون للأمر الواقع في حال سيطرت التنظيمات الإرهابية على إدارة مناطقهم مثلما حدث في بعض مناطق سوريا والعراق ومناطق أخرى.
ويضيف محلل الشؤون الاستراتيجية في جي فوكس الدولية: “ليس بالضرورة ان تكون العمليات الإرهابية الكبيرة مثل: التفجيرات التي تستهدف أماكن اقتصادية أو حكومية دليلاً على قوة التنظيم الإرهابي، وانما قد تكون إشارة على حالة ضيق أو ضعف يعيشها ذلك التنظيم، وهو يبحث عن مخرج منها عبر عملية إرهابية كبيرة، لربما يكون قد حشد لها أقصى طاقته، وذلك لجعل العدو يعتقد أن التنظيم الإرهابي سيكون قادر على القيام بعمليات كبيرة من نفس النوع وان له موارد وامكانيات كبيرة” ولكن الحقيقة ربما تكون عكس ذلك تماماً. موضحاً، “مثلما تستخدم التنظيمات الإرهابية وسائل الاتصال والتواصل في عملياتها، مثل: (تجنيد أعضاء جدد للتنظيمات الإرهابية، إيصال رسائل محددة، بث الرعب والخوف في نفوس الناس والمدنيين..ألخ ) ، فإنها تقوم بتوظيف العامل النفسي بقوة في أساليبها القتالية أيضاً، لإيصال رسائل محددة الى فئتين رئيسيتين: فئة المنتمين للتنظيمات الإرهابية أو المتعاطفين و الموالين لأفكاره. وفئة الأعداء وتشمل (مجتمعات إسلامية أو/ و غير إسلامية، حكومات، القادة، أفراد المؤسسات العسكرية والأمنية، موظفين حكوميين..ألخ)، فأساليب القتال والعمليات الإرهابية المتبعة من قبل الإرهابيين مثل: عمليات انتحارية، تفجيرات سيارات مُلغمة، اعدام أشخاص في أماكن عامة..ألخ. كلها مدروسة من الناحية النفسية ولها غايات محددة منها: زرع الخوف والهلع في نفوس العدو، و كسب المزيد من المؤيدين بسبب الخوف من أن يطالهم نفس المصير، وبالتالي قد يضطر البعض من سكان مناطق العمليات العسكرية إلى التعاون مع التنظيمات الإرهابية لضمان سلامته أو للاستفادة المادية أو المعنوية منهم، واطفاء هالة إعلامية على المقاتلين الإرهابيين مفادها: الشدة وعدم الخوف.
ويقول محلل الشؤون الاستراتيجية ايضاً، “ان التنظيمات الإرهابية لا تريد حدوث أي تقدم اقتصادي أو رفع لمستوى التعليم والصحة في الدول العربية والإسلامية، بل يحاربون ذلك بكل الوسائل المتاحة لديهم. موضحاً: “هم يريدون زيادة الفقر وتراجع مستويات التعليم لغرض التحجج بكل ذلك أمام الناس ودعوتهم لقتال الحكومة والانضمام للتنظيم الإرهابي”.
ويضيف قائلاً: ” ان مواجهة الإرهاب بالدفع نحو التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة للمواطنين والارتقاء بمستويات التعليم والثقافة. لأن محاربة الفقر والجهل هو محاربة جذرية غير مباشرة للفكر الإرهابي وتجفيف لكل الأسباب التي يحاولون خلقها والارتكاز عليها في دعوتهم الضالة لتدمير الدول العربية والإسلامية وتهديد الامن والاستقرار الدوليين في العالم. ان الفقر والغضب على سوء الخدمات ومستويات المعيشة قد تدفع بالشباب الى الانتقام من خلال التعاون مع الإرهابيين، والعكس صحيح، حيث ان تحسين مستويات المعيشة والحياة للمواطنين من شأنه أن يدفعهم للحفاظ أكثر على نمط تلك الحياة بدلاً من القبول بنمط جديد للحياة يفرضها تنظيم إرهابي عليهم، مستغلاً في ذلك فقرهم وجهلهم وغضبهم على الظروف المحيطة بهم”.
ويقول ايضاً، “ان تحسين مستويات التعليم لا يقل أهمية عن تعزيز الحياة الاقتصادية، لأن التعليم الجيد لا يترك مجالاً للمتطرفين والإرهابيين يزرعون أفكارهم في عقول الناس المُتعلمين بشكل جيد”.
ويختم بالقول: ” يجب تعزيز وتقوية التعاون وتبادل المعلومات بين الدول في مجال الامن والاستخبارات، لأن ذلك يعتبر من أهم المرتكزات لمكافحة الإرهاب بشكل مباشر” لأن كل الدول متضررة من هكذا أفكار تخريبية، ولا ينبغي التفكير بأنها محصورة في الدول الإسلامية فحسب، والتأريخ البشري ممتلئ بالكثير من الاحداث الدموية في دول غير إسلامية ايضاً، فالإرهاب يمكن ان تولده معتقدات سياسية او اجتماعية ايضاً، وبالتالي يجب الحذر الشديد من الصاق التهمة بديانة دون غيرها، أو مجتمع دون غيره، لان طرق مكافحة الإرهاب ستكون خاطئة بعد ذلك”.