
بات واضحا” اليوم أن تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا تقترن بمتغيرات جديدة في النظام الدولي تمس الحرب على التنظيمات المتطرفة والإرهابية، خصوصا” في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فقد أبدى تنظيم (داعش) الإرهابي، اهتماما” لافتا” بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في قلب القارة الاوربية، حيث خصصت صحيفة “النبأ” الأسبوعية الناطقة باسم “داعش” إحدى مقالاتها الافتتاحية للحديث عن الحرب التي اندلعت أواخر فبراير (شباط) الماضي بوصفها “صليبية – صليبية”، في وقت كانت تداعيات مقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في غارة أميركية مطلع الشهر نفسه، تلقي بضلالها على الهيكل التنظيمي لداعش. أما زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري فقد أكد في خطابه الأخير يوم 06 آيار/مايو 2022: أن ضعف الولايات المتحدة” كان السبب في وقوع حليفتها؛ “أوكرانيا”: “فريسة” للغزو الروسي”، في سياق تشجيعه لعناصر القاعدة تصعيد عملياتهم ضد مصالح الغرب والولايات المتحدة الامريكية.. السؤال المطروح اليوم هو عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما اذا كانت ستؤدي إلى انتكاسات طويلة الأجل لسياسات مكافحة الإرهاب والإضرار بمكانة الولايات المتحدة عالمياً أيضاً؟ وما هي السيناريوهات المحتملة للتنظيمات الإرهابية في ضوء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؟
معطيات جديدة
أدت الحرب الروسية الأوكرانية الى ظهور معطيات جديدة في النظام الدولي تمس الحرب على التنظيمات والإرهابية في الشرق الأوسط، شجعت تلك التنظيمات وخصوصا” تنظيم داعش الإرهابي، على استثمار فرصة انشغال القوى الدولية بالحرب في أوكرانيا من أجل إعادة طرح نفسه كفاعل مؤثر في مشهد الامن والسلم الدولي، لاسيما وأن قراءة تنظيم داعش الإرهابي للموقف الدولي الناجم عن مخرجات وتداعيات هذا الصراع المسلح واسع النطاق في اوربا، بأنه انقسام للتحالف الدولي لهزيمة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة وجبهة استنزاف لروسيا التي تدخلت في سوريا عام 2015 ضد “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية المسلحة، ومن أهم وأبرز تلك المعطيات ما يلي:
-
أن الظروف الأمنية الاستثنائية في شرق اوربا الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية قد توفر ملاذا آمناً جديداً وبؤرة إرهابية ليس فقط في أوكرانيا، بل في الدول التي استقبلت آلاف اللاجئين الاوكرانيين الفارين من الحرب. فظروف الحرب الروسية الأوكرانية قد تشكل فرصة سانحة للعناصر السلفية الجهادية (داعش والقاعدة وغيرها)، للانتقال والتمركز في اوربا عبر بوابة أوكرانيا، للعمل على تجنيد المزيد من العناصر التي تحمل العداء (للغرب الصليبي)، خصوصا” وأن التنظيمات السلفية الجهادية تتوافر على العديد من المقاتلين الروس والجورجيين، والشيشانيين، ومن جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة بالروسية.
-
الظروف الأمنية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية قد تدفع الى تسريع الولايات المتحدة الامريكية لتقليص وجودها العسكري في العراق وسوريا، وكذلك تسريع تقليص الوجود العسكري الروسي في سوريا وتراجع عمليات القصف والمراقبة الجوية للطيران الروسي المنشغل بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
-
الازمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ستلقي بضلالها على اقتصاديات دول الشرق الأوسط، والساحل الافريقي، واسيا الوسطى، مما سيوفر بيئة اجتماعية ملائمة للتنظيمات الإرهابية لبناء حواضن اجتماعية، وتجنيد المزيد من المقاتلين.
-
تضارب وتقاطع المواقف الغربية إزاء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية قد يؤدي الى ضعف التنسيق والتعاون الدولي، لمكافحة والحرب ضد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.
مؤشرات مهمة
تزامن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مع تغيير في قيادة تنظيم داعش الإرهابي اثر مقتل زعيمه السابق (أبي ابراهيم الهاشمي القرشي)، والمتحدث باسمه السابق (أبي حمزة القرشي)، كما تزامن اندلاعها مع انتهاء القوات الفرنسية ودول الاتحاد الاوربي لعملية (برخان) في منطقة الساحل الافريقي، مما يؤشر بدأ مرحلة تاريخية جديدة في طبيعة استراتيجية العمليات الإرهابية لتنظيم داعش الإرهابي خصوصا” مع تسلم قيادة جديدة للتنظيم المتمثلة بزعيمه الجديد( أبو الحسن الهاشمي القرشي)، في ضوء المعطيات الميدانية الاستراتيجية التي افرزتها الحرب الروسية الأوكرانية على الامن والاستقرار في النظام الدولي على امتداد ساحات الصراع مع التنظيمات الإرهابية في مناطق الشرق الأوسط والساحل الافريقي وأفغانستان وأوربا. وكان من أبرز هذه المؤشرات ما يلي:
-
مسارعة (داعش)، على لسان المتحدث باسم التنظيم، أبو عمر المهاجر في تسجيل على “تيليغرام”، للإعلان عن غزوة (الثأر للشيخين)، والمقصود بهما، زعيمه السابق (أبي ابراهيم الهاشمي القرشي)، والمتحدث باسمه السابق (أبي حمزة القرشي)، داعيا”، مناصري التنظيم إلى استغلال “الفرصة المتاحة، فأوروبا على صفيح ساخن” في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا، لاستئناف شن العمليات الإرهابية في أوروبا. في وقت تصاعد فيه نشاط تنظيم داعش (من 21 عملية في شهر اذار الى أكثر من 153 عملية إرهابية في شهر نيسان) في مناطق انتشاره في الشرق الأوسط (ولايتي العراق وسوريا)، وفي ولاية سيناء، وفي أفغانستان (ولاية خرسان)، وفي نيجيريا ومالي والكونغو (ولاية غرب أفريقيا)، وفي دول آسيا الوسطى لتهديد أمن روسيا، حيث أعلنت موسكو بعد أيام من بداية الحرب إحباط هجوم إرهابي في مقاطعة “كالوغا” كان منفذه من إحدى دول آسيا الوسطى. اذن نحن اليوم إزاء تغيير واضح واستراتيجي في اتجاهات عمل ونشاط التنظيمات الإرهابية وخصوصا” تنظيم داعش الإرهابي الذي يعد اقوى واشرس التنظيمات الإرهابية.
-
محاولة أطراف الحرب الروسية – الأوكرانية، استثمار الحركات الإسلامية والسلفية الجهادية والزج بها في هذا الصراع بصورة مباشرة وغير مباشرة. فالروس من جانبهم سارعوا الى زج لواء “أمير الحرب” الشيشاني (رمضان قديروف)، ذا السمعة القتالية “المخيفة”، في الحرب ضد أوكرانيا. كما تعمل أوكرانيا والولايات المتحدة على تفعيل كتيبة تحمل اسم القائد جوهر دوداييف، من 500 متطوع تحت قيادة الضابط الشيشاني (آدم عسماييف)، في وقت تشير تقارير روسية الى قيام الاستخبارات المركزية الامريكية بإغراء بعض فصائل السلفية الجهادية المعروفة بالعداء لروسيا، للمشاركة بالحرب في أوكرانيا ضد الروس، مثل فصيل “جنود الشام” بقيادة (مراد مارغوشفيلي)، الملقب بـ(مسلم الشيشاني أبي الوليد)، وكذلك (جيش المهاجرين والأنصار) الذي ينحدر معظم مقاتليه من القوقاز. ومن المحتمل جدا” أن يقوم تنظيم داعش بنقل بعض عناصر من تشكيله القتالي الاوزبكي (انصار الإمام البخاري)، الى ساحة الحرب في أوكرانيا. أما تنظيم القاعدة فيتوافر على (كتيبة التوحيد والجهاد الأوزبكية)، التي قد يدفعها أيضا” لساحة الحرب في أوكرانيا.
سيناريوهات محتملة
استنادا” لما سبق ومن خلال احتمالية استمرار الصراع المسلح في أوكرانيا وانشغال القوى الدولية بهذا الصراع فانه يمكننا تلمس السيناريوهات المحتملة لاتجاه النشاط الإرهابي مستقبلا”، خصوصا” لتنظيم داعش الإرهابي كما يلي:
-
السيناريو الأول. تصعيد العمليات الإرهابية في ولايات التنظيم الحالية. وهذا ما لمسناه في ولاية خرسان(أفغانستان)، وولاية العراق، وولاية سوريا، وولاية سيناء(مصر)، وولاية غرب افريقيا (منطقة الساحل الافريقي نيجيريا ومالي)، وولاية الصحراء الكبرى (جنوب ليبيا).
-
السيناريو الثاني. الانتقال الى اوربا عبر بوابة أوكرانيا. للعمل على تجنيد المزيد من العناصر التي تحمل العداء (للغرب الصليبي)، خصوصا” وأن التنظيمات السلفية الجهادية ومن ضمنها تنظيم داعش الإرهابي، تتوافر على العديد من المقاتلين الناطقين باللغة الروسية، من الروس والجورجيين، والشيشانيين، والتتار، ومن جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة بالروسية مثل الطاجيك والاوزبيك والاذربيجانيين.
-
السيناريو الثالث. تصعيد العمليات الإرهابية في ولايات التنظيم بالتزامن مع نقل بعض العناصر الى أوربا عبر بوابة أوكرانيا. وهو سيناريو مغري للتنظيمات الإرهابية كلها وليس فقط لتنظيم داعش الإرهابي فقط، لأنه سيضعها رقما” مهما” في أي ترتيبات أمنية ضمن النظام الدولي الذي سيتبلور نتيجة لمخرجات وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
Comments 1