
بعد الحرب العالمية الثانية، رسخت الولايات المتحدة نفسها كقوة سياسية وصناعية عالمية، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم. حيث جعل هذا الصعود الولايات المتحدة هدفاً بارزاً للتجسس الصناعي في أوائل القرن الحادي والعشرين من قبل الدول الرئيسية التي تحاول تقويض قوة واشنطن، وهما روسيا والصين.
الاتحاد السوفياتي
في منتصف القرن العشرين، شكل الاتحاد السوفياتي أوضح تهديد للتجسس على الولايات المتحدة، عندما فجر قنبلته الذرية عام 1949، وأنهى بذلك احتكار الولايات المتحدة للأسلحة النووية الذي دام أربع سنوات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التجسس السوفيتي الشامل على مشروع مانهاتن. لكن التجسس السوفياتي لم يقتصر على الاستخبارات الاستراتيجية والعسكرية. حيث كان السوفييت مهتمين للغاية بالأسرار التجارية الأمريكية أيضاً.
بدأ سعي روسيا للحصول على الملكية الفكرية قبل فترة طويلة من الحرب الباردة. وبعد تشكيل الاتحاد السوفيتي في عام 1922، كان من الضروري سياسيًا لقادته تسريع وتوسيع التصنيع من أجل اللحاق بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، والتي بدأت جميعها في التصنيع قبل الإمبراطورية الروسية. وكان جزءًا مهمًا من هذه الاستراتيجية هو إنشاء (Amtorg Trading Corp)، وهو مكتب سوفيتي في نيويورك كان يروج للتجارة والاستثمار بينما كان يعمل بالأساس في التجسس الاقتصادي لصالح السوفييت منذ بدايته في عشرينيات القرن الماضي.
ولكن سرعان ما أدرك السوفييت أن حيازة الأسرار التجارية لم تكن كافية لتكرار التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، استطاع موظفي شركة أمتورج ( Amtorg) الحصول على مخططات تصميم جرار تنتجه شركة “فورد” الامريكية ، ولكن فشلت الجهود المبذولة لإعادة انتاجه في الاتحاد السوفيتي.
لذلك استأجر القادة السوفييت مصمماً صناعيًا أمريكياً من ولاية من ديترويت، يدعى، ألبرت كان (Albert Kahn)، لتصميم مصانع يمكنها بناء جرارات زراعية بفعالية وجودة عالية للاتحاد السوفيتي. كان ألبرت كان الحريص على تحقيق الأموال من عمله مع السوفييت قد حصل على عقده بعد انهيار سوق الأسهم، أوائل الثلاثينيات، ولكن السوفييت سرعان ما أنهوا تعاقدهم معه مبكراً بعد حصولهم تصاميم المشروع وقاموا بتنفيذه بأنفسهم بدلاً من الاستمرار في دفع أموال لألبرت مقابل بناء مصانع لهم.
تقول المؤرخة المعمارية الروسية سونيا ميلنيكوفا رايش، ان الاتحاد السوفيتي في عهد جوزيف ستالين استمد من تصميمات، ألبرت كان، أكثر بكثير من مجرد إنتاج الجرارات الزراعية، وتمت الاستفادة منها فيما بعد في انتاج وسائل نقل أكثر كفاءة مثل سيارات وشاحنات ودبابات عسكرية، وساهم هذا الأمر بتطوير الاتحاد السوفيتي لصناعاته الدفاعية بالكامل. وفي نهاية المطاف، فإن تصميمات مصنع الجرارات الزراعية لألبرت كان، ساعدت السوفييت في قتالهم ضد ألمانيا النازية والحفاظ على التكافؤ مع الولايات المتحدة والغرب في الحرب الباردة التي أعقبت تلك الفترة.
وقد استمر الاتحاد السوفيتي في اعتماده على تقليد التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية وسرقة الأسرار التجارية خلال الحرب الباردة، وكانت النتائج متباينة، فعلى سبيل المثال، كانت الطائرة السوفيتية Tupolev TU-144 تقليدًا واضحًا لطائرة الركاب الأنجلو-فرنسية الأسرع من الصوت “الكونكورد”، وبينما تمكن السوفييت من مطابقة، بل وحتى تجاوز الكونكورد الغربية من حيث السرعة، ولكن عانى المشروع السوفييتي من نقص الطلب عليه والمخاوف المتعلقة بالسلامة،
فالمنطقة الاقتصادية في شمال الأطلسي خلقت طلبًا كبيراً من قبل النخب التجارية الغنية على السفر السريع بين أوروبا وأمريكا الشمالية، ولكن على الطرف الاخر في الجانب السوفيتي، لم يكن حجم الطلب كبير على هذا النوع من السفر السريع للرحلات الجوية بين موسكو وبقية الاتحاد السوفيتي. على الرغم أنه كان من الممكن أن تستفيد الجغرافيا الشاسعة للاتحاد السوفيتي من سفر الركاب الأسرع من الصوت، ولكن في نهاية الأمر طارت حاملة الركاب السوفيتية ” TU-144″، 55 مرة فقط. فقد كان البرنامج السوفيتي TU-144 مدفوعًا بالرغبة السياسية في الحفاظ على التكافؤ التكنولوجي مع الغرب، أكثر من الطلب التجاري المستدام.
الاتحاد الروسي
بينما أدى انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات إلى عقد من الاضطرابات السياسية، كانت هناك استمرارية كبيرة في أنشطة التجسس في الاتحاد الروسي الجديد، فعلى سبيل المثال، اعتقال ضابط وكالة المخابرات المركزية ألدريش أميس في عام 1994 وعميل مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت هانسن في عام 2001، وكلاهما قدم معلومات سياسية واستراتيجية للمديرين السوفييت وخلفائهم في الاتحاد الروسي. واستمرت الاعتقالات وتقطيع أوصال شبكات التجسس المرتبطة بوكلاء روس مثل آنا تشابمان (2010) وماريا بوتينا (2018) طوال عام 2010.
ولا يزال الاتحاد الروسي يشكل تهديدًا للتجسس الاقتصادي والشركات، حيث أدت ثلاث حالات على الأقل من التجسس الاقتصادي الروسي تستهدف معلومات حول المستخدمين والأسرار التجارية في شركات كبرى مثل ” ياهو” و ” إي جي” و ” بوينغ” إلى فرض ضرائب فيدرالية في الولايات المتحدة بين 2016-2019.
وخلال العام 2020، قام موظف في شركة “تيسلا” بإبلاغ السلطات بعد سلوك مشبوه من قبل مواطن روسي أراد أن يقوم الموظف بتثبيت شفرة ضارة على شبكات تيسلا، من أجل ابتزاز الأموال من الشركة. وفي حين أن المزاعم ضد المواطن الروسي لم تذكر التجسس على وجه التحديد، فإن هجمات التجسس الإلكتروني على موقع “ياهو” أظهرت تداخلًا بين الجماعات الإجرامية الروسية وجهاز مخابرات الدولة.
يبدو أن حملات التجسس الاقتصادية الروسية الحديثة تعيد إنتاج نموذج التواجد التجاري في السوق من أجل الوصول إلى الأسرار التجارية. وفي عام 2015، ألقى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على إيفجيني بورياكوف واتهموه بالتجسس لصالح جهاز المخابرات الخارجية الروسية . وكان بورياكوف يعمل بشكل غير رسمي مع بنك التنمية الروسي “Vnesheconombank” لتجنيد مصادر من قطاعي الطاقة والتمويل في نيويورك. بالإضافة إلى ذلك، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي تحذيرات عامة في عام 2014 بشأن التهديدات المحتملة من خدمات استثمار رأس المال الاستثماري المدعومة من الدولة، مثل شركة روسنانو ” Rusnano “، لقطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
الصين
الرائد الواضح في التجسس الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين هو جمهورية الصين الشعبية ووزارة أمن الدولة التابعة لها، اللتين تورطتا في عشرات المزاعم المتعلقة بسرقة اسرار تجارية في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم. وفي الفترة بين الأعوام 1996 و2019، استفادت الصين من 66 (32٪) من أصل 206 قضايا اتحادية أمريكية تتعلق بادعاءات على قانون التجسس الاقتصادي لعام 1996. واحتلت الصين المرتبة الثانية بعد الشركات الأمريكية الأخرى، المسؤولة عن 76 حالة من 2016 (37٪) في نفس الفترة.
وفي الفترة الممتدة بين الأعوام 2016 – 2019، شغلت الصين نصف جميع التهم المتعلقة بالتجسس الاقتصادي (18 من أصل 36 حالة).
وأوضح كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أن الحكومة الأمريكية ترى في التجسس الصيني تهديدًا خطيرًا ومتزايدًا. وكشف راي خلال تصريحاته تلك في عام 2020، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يفتح قضية جديدة تتعلق بمكافحة التجسس المتعلقة بالصين كل 10 ساعات في المتوسط، وان الصين متورطة في نصف ما يقارب 5000 قضية نشطة لمكافحة التجسس مفتوحة لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي ومستمرة منذ عام 2020. وبحسب راي أيضاً، ان هذا يمثل زيادة بنسبة 1300 ٪ في الحالات على مدى العقد الماضي.
الأثر الاقتصادي كبير أيضًا: فقد قدر الباحث نيكولاس إفتيمياديس أن أنشطة التجسس الاقتصادي الصيني تتسبب في خسائر قدرها 320 مليار دولار سنويًا منذ عام 2018، أو 80٪ من إجمالي تكلفة سرقة الملكية الفكرية في الولايات المتحدة والتي يقدرها مدير المعلومات الوطنية، بنحو 400 مليار دولار سنوياً. 300٪ في العقد الماضي.
ولذلك استحدثت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من السياسات، تراوحت بين عقوبات وقيود فرضت على البرامج والطلاب الصينيين لغرض تحديد ومنع التجسس الاقتصادي. ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن التدابير الوقائية ستؤدي في أحسن الأحوال إلى إبطاء نَقْل التكنولوجيا.
وبينما طبقت كلا من الصين والمملكة المتحدة إجراءات وتدابير صارمة لمنع نقل التكنولوجيا غير المشروع، فقد هددت الصين بقتل منتهكي هذه التدابير، وحظرت المملكة المتحدة سفر الحرفيين في بعض المهن، لكن مع كل ذلك، فإن من الصعب إيقاف الموجة الحالية من التجسس الاقتصادي الذي تقوده الصين ضد الولايات المتحدة، نظراً الى ان العلاقات التجارية المهمة بين البلدين تسهل تدفق المعلومات وبالتالي تجعل من سياسات مكافحة التجسس مُكلفة للغاية. فعلى سبيل المثال، في عام 2019 بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين 558 مليار دولار أمريكي وستضطر أي سياسة تهدف إلى مكافحة التجسُّس الاقتصادي إلى مراعاة الحقائق الاقتصادية لضرورة الاستمرار في التعامل مع الصين.
اهتمت الصين استراتيجياً للقيام بأنشطة تجسس اقتصادي وأتضح ذلك من خلال مبادرات مثل خطتي ” صنع في الصين 2025″ (خطة إستراتيجية أصدرها رئيس الوزراء الصيني وحكومته في مايو (أيار) 2015 بوصفها مبادرة للارتقاء الشامل بالصناعة الصينية) ، والألف موهبة (خُطة تهدف إلى تكريم خبراء دوليين بارزين في مجال البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال).
تهدف خطة ” صنع في الصين 2025″ إلى تحويل اقتصاد التصنيع الصيني من كثيف العمالة إلى الريادة في إنتاج التكنلوجيا عالية الجودة بمزيد من القيمة المضافة. تشمل الخطة أيضًا تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 70٪ في صناعات التكنولوجيا الفائقة بحلول عام 2025 والسيطرة على أسواق التكنولوجيا العالمية بحلول عام 2049 – الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
تعد خطة الألف موهبة استراتيجية أخرى تسعى إلى تجنيد العلماء والباحثين والمتخصصين في الصناعة للعمل في الصين، وتقديم المعرفة اللازمة لمساعدة الصين على تحقيق أهدافها الطموحة. في السنوات الأخيرة، ادعى محققون أمريكيون أن خطة “الألف موهبة” عرضت على الموظفين المستهدفين مكافآت نقدية مقابل تقديم مستندات حساسة وأسرار تجارية معهم اثناء انتقالهم إلى الصين.
واتهم تحقيق فيدرالي أمريكي شركات التوظيف الصينية بتقديم أكثر من 170 ألف دولار لمهندس في شركة طاقة أمريكية في عام 2018 للكشف عن أسرار حول تكنولوجيا البطاريات التي كانت شركته تعمل عليها.
وأفاد التقرير بأن الحوافز المالية أيضًا تأتي على شكل استثمارات ووعود بمساعي تنظيم مشروعات مُربحة. واستخدم باحث في علوم المواد ويقيم في تكساس عِدَّة ملايين من الدولارات في التمويل الصيني لتكييف تقنية “الرغوة المُركَّبة”، التي تسمح بالتحكُّم في الطفو بصورة أكبر في السفن البحرية الحديثة، من الشركة التي كان يعمل لديها مسبقًا، وبدأ شركته الخاصة في عام 2014 التي قدَّمت للصين الأسرار التي تسعى إليها.
وهناك أيضًا حوافز مماثلة في صناعة الأدوية، التي تهتم بها الصين أيضًا اهتمامًا شديدًا؛ إذ في عام 2016، أغرى مستثمرون صينيون (بدعم حكومي على الأرجح) عالمة كيمياء حيوية تعمل على الأجسام المضادة الأحادية النسيلة، للاستيلاء على مواد حسَّاسة من الشركة التي تعمل بها، وهي شركة «جلاكسو سميث كلاين»، ومحاولة بدء نشاطها التجاري المنافس في الصين.
على الرغم من أن الولايات المتحدة هدفا رئيسيا في أنشطة التجسس الاقتصادي، إلا أنها ليست الهدف الوحيد بأي حال من الأحوال، وكانت محاولات التجسس الاقتصادي الصيني في تايوان قد استهدفت شركة الكيماويات الصناعية الألمانية باسف ” BASF “، وكذلك مجموعة الهندسة الصناعية وإنتاج الصلب ” ThyssenKrupp”.
وقد وقعت إحدى أنجح عمليات التجسس المضاد في السنوات الأخيرة التي استهدفت جهود التجسس الصينية في بلجيكا، حيث ألقت السلطات القبض على ضابط في وزارة أمن الدولة يدعى، يانجون شو، لجهوده الرامية الى تجنيد مصادر استخباراتية داخل شركات.
يتمثل الاختلاف الرئيسي بين أنشطة التجسس الحالية في الصين والأنشطة السابقة في وتيرة ومدى نقل التكنولوجيا، حيث سهلت التكنولوجيا الحديثة عمليات التجسس و بعدة طرق، فعلى سبيل المثال، يسمح التخزين الرقمي للمعلومات والوسائل الإلكترونية للتجميع لمشغلي المعلومات إمكانية جمع وتحويل تيرابايت من المعلومات إلى قرص صلب يسهل إخفاؤه أو إلى خادم مجهول، ويمكن أيضًا استغلال شفرة المصدر والبرمجيات التي غالبًا ما تكون هدفًا لحملات التجسس الحديثة بشكل أسرع بكثير من تقنيات الماضي ، التي استغرقت سنوات، إن لم يكن عقودًا، لإعادة إنشائها. وكذلك تسمح تقنيات التجسس الإلكتروني لهواة جمع المعلومات بالوصول إلى المعلومات الحساسة دون التعقيدات اللوجستية المتمثلة في إرسال الضباط أو المخبرين في مهام طويلة ومكلفة في منطقة معادية، ويسهل التخزين الرقمي الحفاظ على سلامة المستندات ومشاركتها على نطاق واسع. كل ذلك يساهم في رفع مستوى وكفاءة عمليات التجسس واتساع نطاقها، وبذلك يحقق تدفقاً غزيراً للمعلومات خلاف ما كان عليه الأمر في الماضي.
من الواضح أن الصين لديها المصلحة والنية والقدرة على إجراء تجسس اقتصادي – كما يتضح من عشرات الاعتقالات والتهم والإدانات على مدار العقد الماضي. تبدو الصين أيضًا في وضع جيد لاستغلال الأسرار التجارية المكتسبة من خلال التجسس، نظرًا لقاعدتها الإنتاجية الكبيرة، ورأس المال لدعم الأعمال التجارية الناشئة والدعم السياسي للابتكار التكنولوجي من خلال برنامجي (صنع في الصين 2025) و (الألف موهبة). وقد كثَّفت الولايات المتحدة، الهدف الرئيس للصين، من جهود مكافحة التجسُّس ردًّا على ذلك.
ولكن سواء كان إنتاج الحرير الصيني، أو مصانع النسيج البريطانية، أو عمليات إنتاج المصانع الأمريكية، أظهر التاريخ أنه يصعُب للغاية إيقاف انتشار التكنولوجيا الناجحة. كما أظهر التاريخ أن التجسُّس الاقتصادي وحده لا يكفي لترجمة الأسرار التجارية المسروقة إلى نجاح اقتصادي، على غرار الجهود الفرنسية الرامية إلى تعلُّم أسرار إنتاج الخزف الصيني، أو الجهود السوفيتية لتكرار الجرَّار الذي صنعته شركة «فورد».
ومع أن بكين تمتلك كثيرًا من القوى التي تعمل لصالحها، فإن هدفها الطموح لتحقيق هيمنة عالمية في التكنولوجيا بحلول منتصف القرن ليس مضمونًا بأي حال من الأحوال. غير أنَّه من الواضح أن التجسُّس الاقتصادي سيستمر في تشكيل تهديد للشركات والبلدان التي تستفيد من عملها لسنوات قادمة.
“فهم التجسس الاقتصادي في المستقبل”
الصين ليست الدولة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعتمد على التجسُّس الاقتصادي في المستقبل، لتحقيق أهداف صناعية ذات دوافع سياسية، فما البلدان الأخرى التي ستستفيد من التجسُّس الاقتصادي، وما الدول المستهدفة؟
طبيعة النظام الجيوسياسي القائم والتقدم التكنلوجي الحاصل، وفي سبيل الحفاظ على الميزات التنافسية، كلها أسباب ومؤشرات ترجح زيادة مستويات أنشطة التجسس الاقتصادي في المستقبل. ففي وقت تسعى فيه الولايات المتحدة للحفاظ على موقعها العالمي كأقوى دولة في العالم، فإن ميزتها على الدول الأخرى قد تراجعت خلال الثلاثين عاماً الماضية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، فواشنطن تواجه العديد من التحديات في ظل انتقال النظام السياسي الدولي من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب.
فالعالم متعدد الأقطاب، يعني مزيداً من التنافس بين القوى الدولية، وسيكون جمع المعلومات أداة رئيسية للحفاظ على المكاسب وتحقيق الهيمنة، لذلك سيستمر نشاط التجسس الاقتصادي من قبل الصين وروسيا. وفي نفس الوقت، فعالم متعدد الأقطاب سيمنح مزيداً من الخيارات للدول الصغيرة فيما يتعلق بموازنة علاقاتها السياسية والاقتصادية، إلى جانب مزيد من الحوافز والفرص للانخراط في التجسس الاقتصادي، حيث ان بناء التحالفات الاستراتيجية والحفاظ عليها من قبل الدول الكبرى، في عالم أكثر تعقيداً، سيكون مفيداً للدول الأصغر في تحقيق مكاسب اقتصادية. وبالتالي فإن الاقتصاد الرقمي الاخذ بالانتشار والأدوات والأساليب السيبرانية من شأنها تذليل العقبات أمام استخبارات الدول الأصغر، بل وحتى جهات فاعلة غير حكومية، بموارد أقل، كما أن ذلك سيزيد من عدد الأهداف الاستخباراتية المحتملة في العالم.
الصين
بينما تواصل الصين مساعيها التنافسية مع الولايات المتحدة وغيرها في قطاعات التكنلوجيا والأدوية والزراعة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، صناعة أشباه الموصلات، حيث تعد الصين أكبر مستهلك لمنتجات أشباه الموصلات مثل ( المعالجات الدقيقة وشرائح الذاكرة) فهي تشتري ما يصل إلى 60% من السوق العالمية، ويتم تصدير معظمها على شكل أجهزة الكترونية، وتعتمد الصين بشكل كبير على المنتجين الأجانب للحصول على مدخلات أشباه الموصلات، مما يضطرها لشراء حوالي 70% من حاجتها من دول مثل الولايات المتحدة – كوريا الجنوبية – اليابان – تايوان، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة النمو في صناعة أشباه الموصلات في الصين بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة بسبب استثمارات بمليارات الدولارات، ولكنها لا تزال تستورد جزءاً من حاجتها تلك من البلدان المذكورة.
ستشهد الصين خلال السنوات القليلة القادمة ارتفاعاً كبيراً بالطلب على أشباه الموصلات، وذلك بسبب تزايد اعتماد المنتجات المُصنعة على تقنيات المراقبة الداخلية وقوة المعالجة للبيانات، فعلى سبيل المثال، زيادة تثبيت المستشعرات والمعالجات الدقيقة بالأجهزة المزودة باتصال بالأنترنيت في كل شيء، بدءاً من الآلات الصناعية وحتى المصابيح الكهربائية. وبالفعل فقد أدى نمو قطاع صناعة السيارات المستقلة وزيادة صناعة الدوائر المتكاملة للسيارة إلى حدوث نقص أدى إلى تعطيل خطوط التجميع في الولايات المتحدة.
سيؤدي الاهتمام الصيني المتزايد على التنافس في استخدام أشباه الموصلات، وكل ما يترتب على ذلك، الى احداث ضعفاً لدى الشركات الامريكية – التايوانية -اليابانية – والكورية الجنوبية خلال السنوات القادمة. وقد كانت تايوان هدفاً جذاباً للصين، للتجسس عليها وجمع المعلومات، نظراً لقربها الجغرافي والتشابه اللغوي وحصتها الكبيرة في مجال تصنيع أشباه الموصلات وتجميعها واختبارها، فمنذ عام 2018 خصصت بكين مبلغ 72 مليار دولار لتحقيق أهداف خطة ( صنع في الصين 2025) في صناعة أشباه الموصلات، وبعض تلك الأموال سيستخدم لتوظيف مهندسين تايوانيين. ووفق قضايا التجسس السابقة المتعلقة بتوظيف المواهب الأجنبية، قدمت الصين حوافز مادية نقدية للمجندين الذين يقدمون الملكية الفكرية من الشركات المنافسة للصين.
روسيا
من جهتها ستواصل روسيا الاتحادية كونها تهديداً كبيراً على ” الملكية الفكرية” في قطاع التكنلوجيا مع استمرارها في بناء قدراتها المحلية في قطاع التكنلوجيا.
تاريخياً، اعتمدت روسيا على قطاع الطاقة كمصدر دخل للبلاد، حيث تقدر وزارة الموارد الطبيعية والبيئة أن الموارد الطبيعية (النفط والغاز بشكل أساسي) تشكل 60٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، وتمثل مبيعات الطاقة 80٪ من صادرات روسيا. وبينما أظهرت نتائج انهيار أسعار الطاقة في عام 2020 أزمة تتطلب العمل على تنويع مصادر الدخل، وكذلك تزايد الشكوك من قبل الأوربيين ( أكبر مستورد للطاقة من روسيا) تجاه روسيا، إزاء المستقبل الاقتصادي، فقد عززت الحكومة الروسية بقوة كبيرة الخدمات التكنلوجية كصناعة مربحة ومتنامية بهدف دعم توجه موسكو نحو تنويع الاقتصاد الروسي، ولكنها لم تحقق نجاحاً في ذلك التوجه حتى الان، ففي نهاية عام 2020 استحوذ قطاع تكنولوجيا المعلومات في روسيا على 8٪ من قيمة سوق الأوراق المالية، متخلفة كثيرًا عن الولايات المتحدة (27٪) والصين (17٪)، وربما كان للعقوبات والضغط الديموغرافي وهجرة الأدمغة دوراً في ذلك.
ومن بين الأمثلة على ممارسة الروس للتجسس الاقتصادي، ففيفبراير 2021، اتهمت السويد أحد مواطنيها ، وهو مستشار تقني ، بالكشف عن أسرار تجارية ، بما في ذلك رموز المصدر لمصنعي سيارات سكانيا وفولفو ، لدبلوماسي روسي مقابل عدة آلاف من الدولارات.
لا يقتصر ممارسة التجسس الاقتصادي للحصول على الاسرار التجارية والمدعوم من الدولة على روسيا والصين فحسب، ويمكن لتأريخ أنشطة التجسس الاقتصادي في الماضي والحاضر توضيح مجموعة من المؤشرات يمكن لها ان تحدد ما إذا كان يمكن لدولة ما الاعتماد على التجسس لدعم اقتصادها، ومدى نجاح تلك الحملات لصالحها. لذلك دعونا نوضح بعض الميزات التالية:
الرقابة الحكومية: هيكل حكومي مركزي وثيق الصلة بالنشاط التجاري. تخلق الاقتصادات المركزية ذات المساهمات الكبيرة من حكومة دولة استبدادية أو حزب واحد بيئة يرتبط فيها النجاح السياسي ارتباطًا وثيقًا بالنجاح الاقتصادي، لذلك تميل هذه البلدان إلى تأميم التجارة والشركات لتصبح مُلكاً للدولة. فزيادة الرقابة السياسية يساهم في تذليل الحواجز بين خدمات أمن الدولة وحوكمة الشركات.
التنمية الاقتصادية الحتمية: البلدان التي يعتمد وجودها أو استقرارها على المدى القصير على الأقل على التطور السريع لاقتصادها من غير المرجح أن تمتثل للمعايير الدولية التي تمنع التجسس الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، قد تجد الدول الأصغر حجماً، تهديداً من قبل الدول الكبرى المتطورة والمتوسعة اقتصادياً، خاصة المجاورة لها جغرافياً، وبالتالي تجد تلك الدول الصغيرة حاجة ملحة في تنمية اقتصاداتهم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك التجسس الاقتصادي.
التنافس السياسي: على الرغم من وجود العديد من الأمثلة على تجسس الحلفاء على بعضهم البعض، ولكن التوافق السياسي بين بلدين يعمل بشكل عام على ردع حملات التجسس الاقتصادي، وذلك يرجع الى فكرة مفادها ان وجود التوافق السياسي بين البلدين يجعلهما يميلان الى الاستفادة من التعاون الاقتصادي بدلاً من سرقة الملكية الفكرية. فالدول المتنافسة سياسياً لديها القليل لتخسره من التجسس.
النية والاستخبارات: البلدان التي أظهرت نوايا في استخدام المعلومات السرية لأغراض عسكرية واستراتيجية، يكون لديها بالفعل معلومات استخباراتية للقيام بالتجسس الاقتصادي، الأمر الذي يجعل من سرقة الأسرار التجارية مسألة إستراتيجية أكثر من كونها مسألة تتعلق بالقدرة الاقتصادية.
بناءً على الخصائص المذكورة يمكننا تحديد بعض البلدان التي من المرجح أن تحذو حذو الصين وروسيا فيما يتعلق بالتجسس الاقتصادي، بناءً على الخصائص الأربع التي حددناها:
إيران
تتوفر في إيران جميع الخصائص الأربعة المذكورة أعلاه، إلا أنها نظام سلطة “ثيوقراطي” ولا يتم تبني أي سياسات من دون موافقة ” آية الله” والذي هو حالياً علي خامنئي، ولا يوجد دور كبير يذكر للمعارضة. علاوة على ذلك، تتمتع الأجهزة العسكرية والاستخباراتية بتأثير قوي على كل من القضايا السياسية والاقتصادية، حيث تضع القدرات المعلوماتية جنبًا إلى جنب مع المصالح الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، شركتان من أكبر الشركات الإيرانية، هما شركة النفط الوطنية الإيرانية. وشركة إيران للبتروكيماويات، كلاهما تابعان مباشرة لوزارة البترول الإيرانية. طهران حالها حال موسكو فهي تعتمد بشكل كبير على قطاع الطاقة وتسعى لتنويع مصادرها الاقتصادية في ظل عقوبات دولية شديدة عليها.
في المقابل لدى إيران خبرة جيدة في أنشطة التجسس الخارجية. وفي حين أن تركيز أنشطتها تلك ينصب على أجهزة الاستخبارات استراتيجياً وعسكرياً، وملاحقة المنشقين والمعارضين الأجانب، لكن هناك أمثلة أيضاً على أنشطة تجسس اقتصادي قامت بها إيران لتحقيق أهداف تجارية، فعلى سبيل المثال، حدد باحثو الأمن السيبراني التهديد المستمر المتقدم 33 ( APT ) بوصفه خدم مصالح إيرانية لاستهدف الشركات أيضاً، فحسب الباحثون وخلال الأعوام 2016 – 2017 هناك أدلة على أن APT33 استهدفت شركات في كلا من : الولايات المتحدة -بريطانيا – السعودية تعمل في مجال صناعة الطيران، بالإضافة إلى شركة بتروكيماويات كورية جنوبية بعد الإعلان عن شراكات كورية جنوبية في قطاع البتروكيماويات الإيراني.
أظهرت إيران قدرات جيدة في التجسس والتخريب الإلكتروني خلال السنوات الأخيرة، وذلك من خلال استهدافها الكترونياً لجهات حكومية في كلا من السعودية – الولايات المتحدة – إسرائيل، لكن بالنظر إلى أوجه القصور الاقتصادية الإيرانية والعلاقة الوثيقة بين أنشطتها السياسية والتجارية، فمن المرجح ان تقوم إيران بزيادة أنشطتها الاستخباراتية بهدف التجسس الاقتصادي.
فيتنام
على غرار الصين، يتمتع الحزب الشيوعي الفيتنامي بسيطرة مركزية على البلاد ويستثمر بشكل كبير في التنمية الاقتصادية، خاصة من خلال الشركات المملوكة للدولة. فقد تم تأسيس شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية الأكبر في فيتنام ” فيتيل” من قبل رئاسة الوزراء عام 2009، وتدار مباشرة من رئيس الوزراء، ولديها مشاركات كبيرة في القطاع العسكري.
جعلت الحكومة الفيتنامية من التنمية الاقتصادية أولوية سياسية قصوى في الخطط الخمسية الأخيرة، بالاعتماد بشكل أساسي على قطاع التصنيع في البلاد. ومع ذلك، فإن فيتنام في وضع سياسي أكثر خطورة من الصين عندما يتعلق الأمر بالتجسس بسبب حجمها الصغير مقارنة بالصين. وفي وقت أصبحت الصين فيه لاعباً لا غنى عنه في الاقتصاد العالمي، فقد وضعت فيتنام نفسها ضمن مجموعة أكبر من البلدان التي تحاول بشكل جماعي تحدي الصين من حيث الإنتاج منخفض التكلفة.
رأى باحثو الأمن السيبراني بوجود علاقة قوية بين APT-32، المسمى ( OceanLotus) بأجهزة المخابرات الفيتنامية، حيث شنت APT-32 هجمات قرصنة ضد الصين، رداً على هجوم صيني عام 2016، على عروض المطارات الفيتنامية التي أحبطت مطالبات هانوي الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.
وتوسع مجال نشاطهم بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث اتهمت شركة صناعة السيارات الألمانية BMW، نهاية العام 2019، متسللين فيتناميين بمحاولتهم التسلل إلى شبكتها، وكذلك قامت هيونداي وتويوتا بالإبلاغ عن هجمات مماثلة. وجاءت محاولات التجسس الالكترونية من الفيتناميين، في وقت أسست فيه ” Vin Group”، وهي شركة فيتنامية وطنية، تابعة لشركات صناعة السيارات ” Vin Fast”، والتي ادعت أنها الشركة الرائدة في مجال صناعة السيارات في فيتنام.
كوريا الشمالية
في كوريا الشمالية، أحد أكثر الأنظمة استبدادًا في العالم، هناك صلة قوية بين النشاط السياسي والتجاري. علاوة على ذلك، فقد تم ابتعاد البلاد حتى الآن عن الأسواق الغربية وليس لديها الكثير لتخسره من خلال استهدافها بالتجسس الاقتصادي.
أثبتت كوريا الشمالية ان لديها قدرة عالية للقيام بهجمات سيبرانية، وفي حين أن معظم الهجمات السيبرانية من كوريا الشمالية قد سببت في إحداث اضطرابات بهدف إثارة وجهة نظر سياسية معينة (مثل إختراق شركة Sony ) عام 2014، أو لتحقيق مكاسب مالية، ( مثل اختراق البنك المركزي البنغلاديشي ) عام 2016، ولكنها أظهرت مساعي للحصول على أسرار تجارية أيضاً. ففي عام 2018، تم اختراق شركة اوراسكوم ( Orascom Telecom Media and Technology ) في مصر ، ومن المرجح أنها كانت هجمة سيبرانية كورية شمالية، حيث شاركت حكومة كوريا الشمالية في شراكة مشتركة مع شركة أوراسكوم التي تقدم خدمات الهاتف المحمول وكان لديها حافز لزيادة الإيرادات من خلال الحصول على ملكيتها الفكرية.
وفي حين يتضح ان لكوريا الشمالية القدرة على القيام بهجمات سيبرانية خطيرة وسرقة الأسرار التجارية وغيرها، لكنه ليس من الواضح أن لديها القدرة على استغلال تلك المعلومات على نطاق واسع، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى البرنامج النووي الناجح لبيونغ يانغ، وبرنامج تزييف الدولار، سيئ السمعة، حيث أظهرت ان كوريا الشمالية تتمتع بقدرة عالية على القيام بمثل تلك الأنشطة، وربما يقودها ذلك الى مزيد من التركيز على تطوير قدرتها تلك في هذا المجال لتحقيق المزيد من المكاسب في المستقبل.
وعلى الرغم من ان كوريا الشمالية لا تمتلك أسواق رأس المال وقاعدة للإنتاج، لكنها ستكون بحاجة لاستغلال الأسرار التجارية الاقتصادية. ومع أنها لا تمتلك المحفزات الكافية لجذب الخبراء والمهنيين العالميين اليها، على غرار الصين، لأنشاء شركات محلية منافسة، لكن هذا لا يمنعها من الانخراط في أنشطة التجسس الاقتصادي، حتى ان البعض يعتقد ان تكون بيونع يانغ، مؤهلة بصفتها تاجر ملكية فكرية من خلال سرقتها الاسرار التجارية وبيعها لعملاء اخرين يستفيدون من تلك المعلومات. وبالاستناد على المثال السابق (الهجوم السيبراني على شركة أوراسكوم) يتضح ان كوريا الشمالية مهتمة باستخدام التجسس لتطوير قدراتها التكنلوجية المحلية أكثر من اهتمامها بالبدء في تحدي الآخرين في السوق العالمية.
أهداف المستقبل
تشير هجمات سلسلة التوريد إلى السفن التجارية الحالية والمستقبلية للتجسس الاقتصادي. الاعتماد المتزايد على التخزين الرقمي للأسرار التجارية، والأهمية المتزايدة للبرمجيات ورموز الملكية، وانتشار البرامج من نوع الرف التي يمكن أن تساعد الجهات الفاعلة على الوصول غير المصرح به إلى الشبكات الخاصة ، كلها تدفع التجسس الاقتصادي إلى مجال الإنترنت. كما تعلمنا من تسوية SolarWinds في وقت سابق في عام 2021 ، وهجمات سلسلة التوريد السابقة ، قد تتعرض الشركات الكبرى التي استهدفتها حملات التجسس الاقتصادي للخطر من خلال الهجمات غير المباشرة على مقدمي الخدمات الأصغر والأكثر غموضًا. تقلل طبيعة هجمات سلسلة التوريد وغيرها من أساليب التجسس الإلكتروني من أهمية الموقع الجغرافي للهدف، والأهم من ذلك هو الاتصالات الافتراضية التي يمتلكها الهدف مع هدف الاستخبارات.
ستظل دول التكنولوجيا الحالية مثل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأعضاء الاتحاد الأوروبي أهدافًا رئيسية للتجسس. تجعل شركاتها المفتوحة نسبيًا وميزانيات البحث والتطوير الكبيرة الشركات القائمة هناك الأهداف الرئيسية لشركات التكنولوجيا الناشئة. ولكن من الممكن إضافة المزيد من البلدان إلى القائمة مع تنوع الاقتصادات وانتشار التكنولوجيا.
إن التقدم السريع الذي حققته الصين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتعرف على الوجه وتكنولوجيا البطاريات يمكن أن يجعلها مرة أخرى هدفًا للتجسس الاقتصادي، بينما تحاول دول أخرى تقويض هيمنة الصين على السوق.
وكذلك الهند تعتبر هدفاً جذاباً محتملاً، حيث بلغ حجم قطاع تكنولوجيا المعلومات ما يقرب من 200 مليار دولار في عام 2019، والعديد من شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم موجودة في الهند. حيث ان مدن مثل مومباي وبنغالورو وحيدر أباد تعتبر من بين مراكز التكنولوجيا العالمية المستقبلية، حيث تقوم شركات مثل ” كوكل” و ” سامسونج” و ” مارسيدس” بإنشاء مراكز أبحاث للذكاء الاصطناعي، و ” 5 G “، ومعالجة الإشارات، و جميع القضايا ذات الأهمية القصوى للجهات الفاعلة الرئيسية في مجال الذكاء الاصطناعي مدعومة اقتصاديًا من قبل الدولة، مع عنصر إضافي من التنافس الاستراتيجي بين بكين ونيودلهي ، مما سيجعل الصين مهتمة بشكل خاص بقطاع التكنولوجيا في الهند.
تقدم الهند أيضًا فرصًا فريدة لهجمات سلسلة التوريد المستقبلية. قامت الدولة بتوسيع صناعة خدمات المعلومات من خلال تقديم المزيد من خدمات المكاتب الخلفية الشائعة، مثل كشوف المرتبات والمحاسبة وشبكة الاتصالات. في حين أن مثل هذه الشركات والخدمات نفسها لا تمتلك بالضرورة الأسرار التجارية التي تبحث عنها أدوات التجسس في كلا من الصين وروسيا، إلا أنها تتمتع بإمكانية الوصول إلى الشركات التي طورت هذه الأسرار التجارية. إذا تمكنت أجهزة الاستخبارات الأجنبية من التسلل إلى مزود خدمة غامض، فيمكنها الوصول إلى عشرات العملاء الشخصيين.
Source:
geopolitica magazine