هنا لا نتحدث عن خيال، رغم ان كل الاختراعات التكنلوجية العظيمة من حولنا كنا قد شاهدناها في أعمال فنية وأفلام منذ عقود زمنية طويلة، وقرأنا كثير منها في قصص وحكايات للخيال العملي، قبل أن تصبح حقيقة ملموسة للبشر في عصرنا هذا. ان ما نتحدث به اليوم، هو قد حدث بالفعل، وهو يوضح ملامح ما نحن سائرين اليه في المستقبل، ان المرحلة التي نعيشها اليوم، بكل ما فيها من تكنلوجيا تحيط بنا وتقنيات مستخدمة فيها، والتي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، تذكر ذلك، أنها ليست سوى مرحلة ” عصف ذهني” وانتقال بالنوع البشري إلى مراحل ومستويات أعلى بكثير.
دعونا نتحدث قليلاً عن تقنية الهابتكس (Haptics) وهي من التقنيات التي أصبحت مستخدمة في أشياء كثيرة نستخدمها يومياً، بل وأصبحت جزءاً من حياتنا وسلوكنا اليومي، وحتى أصبحت جزءاً من شخصيتنا في المجتمع، فنحن مثلاً نتحدث هنا عن الهواتف الذكية، ألعاب الكومبيوتر (Games)، أجهزة الحاسوب، وغيرها من الأجهزة المستخدمة في مجالات حيوية وحساسة، في الطب والأدوات الاقتصادية والمالية، وكذلك في الأمور الأمنية والعسكرية والاستخباراتية.
الهابتكس ( Haptics ) هو علم وتكنولوجيا نقل المعلومات وفهمها من خلال اللمس. ويشرحها أحد المهندسين العاملين في مجال التكنلوجيا قائلاً: ” الهابتكس تعني كل ما هو يتعلق بشعور اللمس”. وهي كلمة مشتقة من جذور كلمة يونانية تعني اللمس أيضاً. وتعرف تقنية الهابتكس تكنلوجياً، بأنها تكنلوجيا نقل المعلومات وفهمها عبر شعور اللمس.
في أحداث فيلم Ready Player One لـ Steven Spielberg لعام 2018، المأخوذ من كتاب لكاتب روايات خيال علمي، Ernest Cline عام 2011، يدخل الناس عالمًا افتراضياً يسمى الواحة. ولم تكن نظارات الـ VR – والتي أصبحت متاحة بالأسواق حالياً- أكثر ما سيطر على تكنلوجيا المستقبل ضمن أحداث الفيلم، أنما القدرة على مشاركة الشعور بمستوى تجاوز البصر، الصوت، اللمس!، حيث ارتدت شخصيات الفيلم قفازات تتيح لهم الشعور بالأشياء الخيالية في أيديهم، وبدلات جسم كاملة مزودة بتلك التقنية أيضاً. أن الحصول على هذه القدرات ليس بعيداً، وأن تكون متاحة للجميع، انما مسألة وقت لا أكثر.
نحن نعتمد في اللمس أو الـ “هابتكس” على معلومات تتدفق باستمرار، بطرق لا يتعرف عليها وعينا، حيث أن الأعصاب المنتشرة في بشرتنا، مفاصلنا وعضلاتها، والأعضاء، تخبرنا عن الشكل والكيفية التي يجب أن تكون عليها استجابتنا حيال أمر ما، ان المعلومات التي تتدفق عصبياً عند قيامنا بعملية ” لمس” تحدد في واقع الأمر سلوكنا القادم، وبالتالي يمكن تفسيرها على أنها عملية فعل و رد فعل. على سبيل المثال، قيام أحد افراد اسرتك بمعانقتك هو يعتبر فعل، تتلقفه القنوات العصبية في جسمك على أنه شعور بالمودة وبالتالي رد فعلك يكون بالمثل.
يعمل مهندسون من جميع أنحاء العالم، على إعادة إنشاء أحاسيس حقيقية من خلال اللمس في التكنلوجيا المستخدمة، مثل تلك التي يجري تطويرها باستمرار في العاب الفيديو. ان تطوير أحاسيس حقيقية في عالم التكنلوجيا من شأنه أن يقود إلى تفاعلات حاسوبية بشرية تعزز التحكم الآلي في مجالات ومواضيع مختلفة في إعادة التأهيل البدني، التعليم، الملاحة، التواصل، التسوق عبر الإنترنت.
الهابتكس.. مزيد من التطور في تكنلوجيا المستقبل
يقول هيذر كولبرتسون، عالم الحاسوب بجامعة جنوب كاليفورنيا: “في الماضي، كان الـ ” هابتكس” جيدًا في جعل الأمور ملحوظة، مع الاهتزاز في هاتفك أو في وحدات تحكم الألعاب”. “ولكن الآن هناك تحول نحو جعل الشعور بالأشياء طبيعياً أكثر من السابق، في محاكاة أكبر للشعور بالمواد والتفاعلات الطبيعية المعروفة لدينا كبشر.
ميزة أجهزة الهابتكس أنها قابلة للارتداء واللمس، ولفهم عمل ذلك، ندعوك ان تفكر قليلاً في جهاز عصا التحكم، ففي أحد تطبيقات تشغيل الروبوتات يمكن للمُشغل أن يشعر بمقدار المقاومة التي يدفعها الروبوت. وأمثلة أخرى على ذلك الأمر في سبيل فهمه أكثر، خذ الروبوتات التي يستخدمها بعض الأطباء في عملياتهم الجراحية، فقد أظهرت دراسات عديدة أن إضافة ردود فعل ” هابتكس” للسيطرة على الروبوتات يزيد من دقة العمل ويقلل من تلف الأنسجة. والروبوتات المستخدمة في أدوات صغيرة جداً أو في مساحات ضيقة، وغيرها من المجالات، وتسمح للأطباء القيام بممارسات طبية وتدريبية على مرضى موجودين في الواقع الافتراضي، وشعورهم الفعلي بالقطع وخياطة الجروح. ويقول أحد الباحثين في المجال، أن هناك تطوير يجري في محاكاة طب الأسنان، لمنع وقوع أخطاء من طالب طب الأسنان عند قيامه في أول حفر في سن حقيقية.
يقوم المهندسون على بناء أنظمة لنقل الأحاسيس الواقعية إلى ألعاب الفيديو، مع المزيد من الضوابط الآلية، ومجموعة تطبيقات، كلها تعمل على تطوير هذه التكنلوجية واستخداماتها، حيث يمكن للروبوتات نزع فتيل القنابل بدلاً من قيام فرد بشري بهذا الجهد المحفوف بالخطر، وفي نفس الوقت تعمل تحت قيادته، وكذلك استخراج الأشخاص من تحت أنقاض المباني المنهارة، أو لإصلاح قمر صناعي في الفضاء. باختصار أنها تكنلوجيا العمل عن بُعد من خلال روبوتات تقوم بأعمالنا مباشرة وتحت سيطرتنا.
ودعونا لا ننسى الإشارة إلى ما قامت به أكبر صانع لعالم من الخيال، ديزني، حينما طورت نظاماً يحتوي على أنابيب هوائية تربط أذرع روبوتات بشرية تسمح للشخص التحكم بجعلها تحمل بالوناً أو بيضة، وغيرها من المشاريع الروبوتية وأبرزها، روبوت نصف – إنسان.
نعم، أنه عالم يتجه سريعاً نحو طفرات نوعية في التكنلوجيا من شأنها أن تغير نوعية حياتنا، ونكرر مرة أخرى، لا ننسى ذلك، نحن نعيش في عصر ” مرحلة العصف الذهني”، تقودنا التكنلوجيا تدريجياً للاندماج أكثر وصولاً إلى عصر ما بعد البشر.
على مستوى التجارب الحاصلة في سبيل تطوير المزيد من الأفكار والإضافات لهذه التكنلوجيا. قام جيمي بايك العالم في مختبر المعهد السويسري الفيدرالي، بتطوير واجهة محمولة تسمى Foldaway. وتحتوي الاجهزة، التي تكون على شكل سفينة مربعة، على ثلاثة أذرع مفصلية تظهر في الوسط، يتم استخدامها للسيطرة على طائرة بدون طيار، وللضغط على الأشياء الافتراضية. وكانت من بين تحديات تقنية الهابتكس هو كيفية توفير شعور حقيقي بثقل الأشياء (الوزن) عند الإمساك بالأشياء الرقمية، ولكن من خلال دراسة علم الأعصاب، تمكن مهندسون من العثور على بعض الحلول. منها ما قام بتطويره كولبرتسون وزملاؤه، جهازاً لمشكلة الجاذبية يسمى Grabity، والذي يعمل على ايهام العقل بثقل وزن الأشياء التي يتم التقاطها افتراضياً، من خلال اهتزازات يصدرها بطرق معينة.