Site icon مجلة جي فوكس

هل أصبحت التسريبات الاستخباراتية ظاهرة في إدارة الأزمات و الحروب؟

تقرير: مجلة جي فوكس الدولية

التأريخ: 14 ابريل 2022

 

خلال العام 2021 كشفت معلومات استخباراتية تم الحصول عليها عبر صور الأقمار الصناعية عن حشد قوات روسية بالقرب من أوكرانيا، وفي صيف من نفس العام تلقت المخابرات الغربية معلومات استخباراتية بقيام مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين الروس التخطيط لغزو عسكري شامل ضد أوكرانيا.

تراكم المعلومات الاستخباراتية بحشد قوات عسكرية روسية على الحدود مع أوكرانيا دفع إدارة بايدن لارسال مدير الاستخبارات الامريكية وليام بيرنز إلى موسكو بداية شهر نوفمبر من العام 2021، حيث التقى الأخير مع رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف وعدد من المسؤولين الروس وحذر موسكو من قيامها بعمل عسكري ضد أوكرانيا، كاشفاً معرفتهم بنوايا روسيا، وكان من أهداف الزيارة غير السرية دعوة لإجراء لقاء مباشر بين الرئيسين الأمريكي والروسي لتحذير موسكو من الأثمان الباهظة اقتصاديا وسياسيا وامنيا، إذا قامت بغزو أوكرانيا، والتأكيد على دعم واشنطن لحلفائها في أوربا، رغم ذلك إلا أن موسكو نفت رسمياً وجود نية بغزو عسكري، وبحسب البي بي سي البريطانية، إن المرة الأولى التي علم فيها بعض المسؤولين الروس بأن بلادهم جادة في شن حرب ضد أوكرانيا كانت عندما سمعوا ذلك من مدير وكالة المخابرات المركزية.

 إدارة بايدن التي اعتمدت خيار الدبلوماسية في إدارة ملفات الأزمات الدولية، شعرت بضرورة إيجاد نهج معين لا يستفز روسيا وفي نفس الوقت لا يعطي انطباع بضعف الإدارة الامريكية وحلفائها الاوربيين، باستخدام مجموعة أدوات تقليدية مثل العقوبات وغير تقليدية إلى حد ما، مثل نشر معلومات استخباراتية حساسة على الرأي العام الدولي لأرباك خطة الغزو الروسي أو افشالها أو لحشد الرأي العام الدولي مسبقاً ضد الغزو عند وقوعه، وتوحيد المواقف الاوربية ضد موسكو.

استخدمت الولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية على مرحلتين، الأولى عندما قام وليام بيرنز بكشفها أمام المسؤولين الروس خلال زيارته لموسكو و رد الكرملين عليها بنفي وجود خطة غزو عسكري، وان تراكم القوات الروسية بالقرب من الحدود ليس سوى تدريبات عسكرية. أما المرحلة الثانية كانت على شكل جهود دبلوماسية ومخابراتية مكثفة منها زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الى الدول الاوربية لحشد المواقف الرسمية وتقوية معسكر الحلفاء الغربيين ضد موسكو، والتي تزامنت مع بدأ نشر المعلومات الاستخباراتية للرأي العام الدولي من خلال وسائل الاعلام والصحف.

الاستخبارات المغلقة.. من السر إلى العلن!

 

بتأريخ 3 ديسمبر 2021 نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقريراً تضمن معلومات استخباراتية حساسة، كشفت تحضيرات عسكرية روسية لغزو أوكرانيا بقوات يبلغ عددها أكثر من 175 ألف جندي، وبحسب الوثيقة الاستخباراتية الامريكية ان الهجوم سيكون من عدة جهات في وقت واحد، وارفقت الوثيقة صوراً من الأقمار الصناعية لتجمع القوات الروسية ومعلومات عن تواجد 50 مجموعة تكتيكية جنباً إلى جنب مع الدبابات الحديثة والمدفعية.

وبينما أشارت التقييمات الأوكرانية ان حجم القوات الروسية على حدودها يصل الى 94 ألف، إلا ان التحليلات الاستخباراتية الامريكية أكدت ان عملية الغزو تبدأ عندما يصل عدد القوات إلى أكثر من 175 ألف، وذلك في إشارة إلى ان الغزو العسكري قادم لا محالة، كما توقعت التحليلات ان العملية الروسية ستبدأ في صباح باكر وستكون سريعة ومفاجأة، وان من المحتمل ان تترك القوات الروسية معداتها العسكرية في أماكن تدريب متفرقة ليسهل عليها إعادة استخدامها بسرعة فائقة عند البدء الفعلي للهجوم العسكري على أوكرانيا.

لم يقتصر الجهد الاستخباراتي الغربي على جمع وتحليل المعلومات الميدانية من الأقمار الصناعية والمصادر التي فُضل عدم كشفها في المعلومات المُسربة لحمايتها من الروس، انما كشفت عن قيام المسؤولين الروس إجراء تعديلات في محتوى الاعلام والدعاية الروسية، من خلال زيادة الدعاية المناهضة للحكومة الأوكرانية وحلف شمال الأطلسي وترويج فكرة ان واشنطن والغرب يتحكمون بحكومة زيلينسكي وأنها تعمل ضد مصالح روسيا وتهدد أمن (العالم الروسي).

هل اعادت الحرب على أوكرانيا المصداقية لأداء الاستخبارات الأنجلو- أمريكية؟

نشرت البي بي سي البريطانية بتأريخ 10 ابريل من العام الجاري 2022، تقريراً لمراسلها للشؤون الأمنية ضمن فيه شهادات ضباط استخبارات ومن أسماهم التقرير بالجواسيس، ذكر التقرير ان قرار رفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية لم يكن سهلاً، في إشارة إلى الخطر الذي قد يلحق المصادر الاستخباراتية، لذلك بدأ خبراء رفع السرية عن المعلومات، المدربون على فهم المخاطر، في العمل على مدار الساعة لتحديد ما يمكن الكشف عنه. مشيراً إلى ان المعلومات الاستخباراتية الغربية قوبلت بنوع من عدم التصديق في بعض الأوساط، حيث ان المشكلة الشائعة كانت هي أن الناس ببساطة لا يستطيعون تصديق أن اندلاع حرب برية كبرى في أوروبا في القرن الحادي والعشرين أمر وارد تماماً، لكن في أواخر العام 2021 وبعد أن خضعت المادة لعملية تقييم رسمية وأصدرت لجنة الاستخبارات المشتركة وجهة نظرها المدروسة بأن الغزو أصبح الآن “مرجحاً للغاية” عندها بدأ الجميع يدرك أن هذا أمر حقيقي.

 أرجع تقرير البي بي سي صرامة تلك العملية إلى سبب استخدام معلومات استخباراتية لتبرير غزو العراق للرأي العام العالمي منذ ما يقرب من عقدين من الزمن والتي ثبت في نهاية المطاف عدم صحتها، وأضاف التقرير عن أحد المسؤولين قوله: ” لم يقتنع بعض الشركاء الأوروبيين بالتحليل القائل إن الحشد الروسي كان أكثر من مجرد خدعة” ونظراً لتعذر مشاركة مصدر المعلومات الاستخباراتية، كان من الصعب أحياناً التغلب على هذا الشك. معتبراً ان الأزمة في أوكرانيا قدمت فرصة لمحاولة فرض إجراءات جديدة لضمان أن المعلومات السرية تخضع لعملية تقييم صارمة لتحديد كيفية استخدامها.

نهج جديد في إدارة الأزمات الدولية!

في تعليقه على الموضوع أعتبر محلل الشؤون الاستراتيجية في مجلة جي فوكس الدولية ان خشية الإدارة الامريكية من تكرار سيناريو ضم (شبه جزيرة القرم) عام 2014 كان الدافع الرئيسي في مشاركتها للمعلومات الاستخباراتية مع الرأي العام الدولي قبل بداية الاجتياح الروسي، مضيفاً ” بدا واضحاً أن تصريحات الرئيس الروسي والكرملين بتأكيدهم عدم وجود نية لبلادهم في غزو أوكرانيا، لم يكن لها تأثير في إيجاد حالة ارتياح لدى الجانب الأمريكي على وجه الخصوص، والسبب في ذلك قبل كل شيء هو عدم تصديق واشنطن لمواقف بوتين”. مرجعاً ذلك إلى تصريحاته في أزمة شبه جزيرة القرم عام 2014 والتي قال فيها: “ان لا نية له للقيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا وإنما هو أجبر على ذلك”. ويضيف قائلاً: “يبدوا ان مواقف بوتين السابقة أعادت إلى أذهان القادة الغربيين خلال الأزمة الأخيرة ما جعلهم يرجحون ان مواقفه الجديدة لن تكون صادقة وهي مخادعة لكسب المزيد من الوقت”.

ورجح محلل الشؤون الاستراتيجية في مجلة جي فوكس الدولية، ارتفاع الطلب على استخدام المعلومات الاستخباراتية في ملفات دولية أخرى، الأمر الذي يترك الباب مفتوح أمام مؤسسات الاستخبارات الحكومية وشركات الاستخبارات الخاصة والتجارية، في ممارسة دور أكبر في إدارة الازمات الدولية.

Exit mobile version