يتم ضمان الامن القومي لأية دولة عبر اتباع استراتيجية شاملة او فرعية تضمن بقاء الدولة ووجودها، فتضم الاستراتيجية الشاملة مجموعة من الاستراتيجيات المتخصصة المتباينة في ظروفها والمرتبطة في تأثيراتها مثل الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والعسكرية التي تصب بمجملها في خدمة الاستراتيجية العليا للدولة.
وتمثل الاستراتيجية السياسية، على وجه الخصوص، مجموعة المبادئ والخطط والاجراءات التي تعتمدها الدولة في تصريف شؤونها سواء على الصعيد الداخلي أو في ميدان العلاقات الدولية والخارجية، فعلى الصعيد الداخلي لابد ان يكون للدولة برنامجها السياسي الذي اختطته لنفسها عبر فلسفتها السياسية الخاصة بها ، فالشروع في بلوغ اهداف السياسة الداخلية على صعيد الحياة العامة والامن والاستقرار وبلوغ الصيغة المثلى للمواطن في مناخ كفوء يكون من مهام الاستراتيجية السياسية.
بالإضافة الى رسم اساليب التعامل والتعاون مع الدول الاخرى عبر اتباع سياسات تختلف باختلاف الظروف. وعلى الاستراتيجية السياسية هنا ان تكون واضحة، مرنة، وان ترتبط بباقي فروع الاستراتيجية العليا مع بقاء الصلة قائمة بين ميداني السياسة الداخلية واستراتيجيتها والسياسة الخارجية واستراتيجيتها، وكلاهما يرتبطان باستراتيجية سياسية واحدة تنضوي تحت لواء الاستراتيجية الشاملـة.
وهكذا، ترسم الاستراتيجية الشاملة لخدمة اهداف الدولة والتي تضعها القيادة السياسية والتي لابد ان تكون واعية لأهداف دولتها ومصالحها لأنها الاداة التي تحرس المبادئ والمصالح، وكونها تستلم زمام القيادة في دولتها بوصفها الرمز المعبر عن المصالح الوطنية والقومية مع الاعتماد على حسابات وتوازنات بين المتطلبات المختلفة وتنفيذها عبر الاعتماد على وسائل الدولة المتاحة.
وفي إطار ذلك يضم محتوى الاستراتيجية الشاملة في اساسياته جانبين أساسيين:
-
الاهداف المراد تحقيقها والقدرات المتاحة أمام الدولة لضمان الأمن القومي.
-
الوسائل المتبعة التي تركن اليها الدولة لتحقيق أهدافها ضمن تسلسلية تتحدد فيها الأهمية.
وعلى الرغم من الاقرار بحقيقة نسبية الأهداف، إلا أن ما هو متفق عليه لدى الاستراتيجيين ان الاهداف الخاصة بوحدة الإقليم وامن الشعب وكرامته أهداف ثابتة لا تحيد الدول عنها.
فأفضل الاستراتيجيات القومية الشاملة هي التي تقوم على وفق اهداف واضحة وتتم وفقاً لأسلوب تفكيرها الذي تستقيه من مبادئها المعبرة عن عقيدتها، وافضلها كذلك التي تحدد اهدافها بدقة وموضوعية تتناسب وما تملكه من امكانيات لان الخطر الاكبر ان تضع الدولة لها اهدافاً استراتيجية اعلى من قدراتها وهو ما يطلق عليه باللاواقعية، والواقعية في الاستراتيجية الشاملة تعني ايضاً ان تبعد عنها الخطر اذا ما داهمها عدو وتدرس امكاناته وتضع لنفسها بدائل واولويات تتغير بتغير امكانيات العدو بمعنى التكيف وفقاً للمتطلبات التي تمليها عليها امكانيات العدو المتغيرة التي لا تقتصر على معالجة ازمات الحاضر انما تمتد الى المستقبل عبر عملية تفكير وتخطيط لتحديد بدائل التعامل مع الظروف المستجدة واختيار افضلها لضمان الفعل الناجح وتحديد الكيفية المناسبة للتعامل مع متغيرات المستقبل .
وان مفهوم استراتيجية الأمن القومي مفهوم شامل للعناصر التي تشكل الاحتياجات الضرورية للوطن، متضمنة الحماية الذاتية واستقلال الكيان الوطني، حماية وسلامة أراضية، ورفاهية شعبه الاقتصادية, بناء دولة المؤسسات الدولة عصرية).
وترتكز على عدة عناصر أبرزها: ضرورة توافق القيادات الوطنية القادرة على إدارة هذه الخطط، صياغة مجموعة من الخطط والمبادئ التي تحدد الأهداف القومية للوطن مستنداً على الغاية القومية، مع مراعاة مبادئ الأمن القومي واعتباراته.
وأن هـذه المبادئ ليست مطلقة وإنما تتحدد على أساس القوة المتاحة وقدراتها القومية والتهديدات الخارجية والتحديات المحلية وطبيعة النظام الدولي المعاصر وانه تصور إستراتيجي نابع من متطلبات حماية المصالح الحيوية الأساسية لأية امة ومستمد من تاريخها وما أفرزته معطيات موقعها الجغرافي ومورثها التاريخي والاجتماعي للمحافظة على الوجود الحي لها، أي أنها وثيقة سرية في غالبية مفاصلها وترتكز على أبعاد وعناصر أساسية.