ان العراق يملك الأسس اللازمة لبناء مرتكزات استراتيجية داخلية وخارجية اقليمية ودولية تعكس الجوهر الأصيل لهذا البلد، فهناك الامكانات الاقتصادية والقوة الحضارية والكم الديموغرافي والبعد الجغرافي والقيم الثقافية الاسلامية الاصيلة والمصير الواحد .
وذلك يعني امتلاك الأساس اللازم لترتيب البيت العراقي من الداخل وتنمية الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى العلاقات مع بلدان العالم اجمع.
وحتماً ستشهد السياسة العراقية العليا خلال الحقبة القادمة إعادة رسم لاستراتيجية جديدة ترجح المصالح الوطنية على أية اعتبارات اخرى، وذلك في حال ان تصل القوى الوطنية للسلطة .
حيث ان الدول وعلى اختلاف الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية المحيطة بها، لا تستطيع ان تتقدم دون ان ترسم لها مخططاً تحافظ من خلاله على كيانها وتصنع مستقبلها وطريقة حياتها، وتميز من خلاله بين العدو والصديق .
وذلك لأن لكل دولة من الدول إستراتيجية شاملة تحدد الاهداف التي تتطلع اليها الدولة، والوسائل اللازمة لتحقيقها، والاطار الزمني الذي ستتم فيها، والرقعة الجغرافية التي تحويها، والمدى الزمني الذي ستؤثر فيه هذه الاستراتيجية سواء على النطاق المحلي أو الإقليمي أو الدولي .
إلا أن هكذا إستراتيجية سواء كانت مرتبطة بالشأن الداخلي أو الخارجي، ومع الأخذ بالاعتبار المتغيرات المتجددة على كافة الصعد، فهي تحتاج إلى الاعتماد على عدة مبادئ وركائز تضمن من خلالها تحقيق الأهداف والمصالح العليا للعراق شعباً ودولةً، وأهم ركيزتين لها هما المرحلية والواقعية .
المرحلية
يقصد بـ(المرحليـة) النظر الى كل هدف يتم تحقيقه على انه وسيلة لبلوغ الأهداف التي تليه ، فحدودها لايمكن استخدامها لبلوغ اهداف مهمة بوثبات متعاقبة إلا اذا كانت هذه الاستراتيجية ستنفذ على مرحلة زمنية طويلة نسبياً .
ان المرحلية في العمل لاتعني التخلي عن الهدف، بل على العكس من ذلك، فالثبات على رؤية الهدف والتشبث به هو الذي يفرض المرحلية كطريقة في الاداء والفعل ، فمن أراد تحقيق هدف وجد نفسه أمام احتمالات ثلاثة :
-
الاحتمال الأول: اما ان يعمل فوراً على بلوغه ولايقبل سواه، وقد يواجه صعوبات عملية اثناء عملية التنفيذ.
-
الاحتمال الثاني: اما ان يرضخ للواقع والامكانيات المتاحة فيستبدل هدفه الاكبر الذي لايمكن بلوغه آنياً بهدف جزئي بديلاً عنه .
-
الاحتمال الثالث : أو يتدرج نحو الهدف خلال مرحلة مُنتظمة تسمح بالتقدم نحو تحقيق الغايات العليا، ولاتسمح بالتراجع.
فلابد لأي فكر استراتيجي عراقي او اية استراتيجية عراقية ان تنظر الى عامل الزمن بأعتباره من اثمن الحقائق والنظر اليه بكونه رأسمال مهم ، فهو ليس الزمن المدرك بوصفه القدر المجهول ، بل هو الذخيرة الاستراتيجية التي تحتاج الى توظيف مستقبلي .
وعلى الاستراتيجية العراقية ان ترسم خط سير يقود الى انتاج البنية التحتية المادية – النفسية لترتيب أوضاعها في الدائرة الاقليمية، ثم احاطتها بالضمانات الدولية . فعلى المفكر الاستراتيجي العراقي وضع استراتيجية ديناميكية تعترف بأن عقارب الزمن تشير بعيداً عن الماضي الى آفاق المستقبل ، نظراً لتشابك المتغيرات الداخلية والخارجية العربية والدولية ، والتي تحتاج الى حصر احتمالاتها الآنية والمستقبلية لضمان ضبط التفاعلات السلمية والصراعية والتحكم بها .
الواقعية
اما (الواقعيـة)، فيقصد بها التعامل مع الواقع وتقدير الظروف والاوضاع القائمة تقديراً موضوعياً واقعياً لامغالاة فيه ، وحساب الامكانيات القائمة على الصعيد الداخلي والخارجي للعراق حساباً دقيقاً موضوعياً في كل مرحلة من مراحل الاستراتيجية العراقية . فتقدير الموقف القائم تقديراً واقعيا يعني :
-
مقارنة العوامل المؤيدة وقوتها بالعوامل المعارضة وقدرتها .
-
تحديد القدرة العراقية الحقيقية الذاتية من دون التغاضي عن مواطن الضعف .
-
الموازنة بين القليل الذي يمكن الحصول عليه اليوم والاكثر منه الذي يستطاع الحصول عليه غداً ، في ضوء الحاجات الملحة التي تتطلب تلبية سريعة فورية ولو كانت ناقصة ولا تتحمل التأجيل طمعاً بالحصول على ما هو اكمل واتم منه .