التحكم بالعقل البشري هو عملية يتم فيها سلب أو قمع إرادة الشخص عبر تلقينه ما يجب القيام به من قبل طرف اخر. ويمكن لأسلحة التحكم بالعقول البشرية ان تكون أكثر فتكاً من القنابل الذرية، لأنها قادرة على استهداف شريحة واسعة من الناس والمجتمعات والدول، دون إدراك منهم لحقيقة الأمر.
اجريت العديد من المحاولات للسيطرة على العقل بطرق مختلفة عبر التأريخ، منها باستخدام العنف الجسدي أو الدين أو المشاعر الإنسانية أو العقاقير والتكنلوجيا، وكانت العديد من الحكومات مهووسة بتمويل وتنفيذ مشاريع ” التحكم بالعقول”، خاصة تلك التي كانت تميل الى الفاشية مثل: النازيين في المانيا.
أشار البرفيسور ديفيد فلوريس في مقاله ” السيطرة على العقل من النازيين إلى داربا” إلى أن نشأة الأفكار الأساسية للتحكم بالعقول قد ظهرت عام 1921 في مركز تافيستوك ” Tavistock “وهو مركز أبحاث تابع لجهاز المخابرات البريطانية.
ثم جرى تطويرها في المانيا النازية منذ عام 1943، حيث أجرى الأطباء العسكريون الألمان العاملون في معسكرات الاعتقال (داخاو وأوشفيتز الباربيتورات) تجارب على المعتقلين باستخدام عقاقير ومواد كيميائية مثل: مشتقات المورفين والميسكالين، لتحسين نتائج الاستجواب التي كانت تقوم بها السلطات النازية.
وكان الميسكالين يُستخدم بشكل رئيسي في ” أوشفيتز وداخاو”، ففي معكسر داخاو، الذي أشتهر بتجارب خفض حرارة الجسم، أجرى الدكتور كورت بلوتنر تجاربه لغرض التحكم بالعقل والسلوك بالقضاء على إرادة الشخص.
ولكن بعد سلسلة تجارب تعرض لها 30 شخصاً، توصلوا لنتيجة بعدم الاعتماد على الميسكالين بشكل كبير ليكون عقارا حقيقياً.
جذبت التجارب النازية انتباه وكالة المخابرات المركزية الامريكية الـ CIA، والـ كي جي بي السوفيتي، فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وزوال النظام النازي، أرسلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الفرق الخاصة إلى المانيا للحصول على أسرار تلك البرامج والمشاريع النازية.
وأحدى أشهر عمليات وكالة المخابرات المركزية الامريكية، هي عملية “مشبك الورق“ حيث جندت فيها أكثر من 1600 من العلماء والمهندسين والفنيين الألمان الذين عملوا في المعسكرات النازية، لغرض العمل على تطوير برامج السيطرة والتحكم بالعقل والسلوك البشري، لصالح الولايات المتحدة.
مشروع إم كي ألترا للتحكم بالعقل والسلوك البشري
في أواخر الاربعينيات من القرن الماضي، طور السوفييتيون طرق وأساليب استجوابهم للأسرى والمعتقلين لانتزاع المعلومات منهم باستخدام “مصل الحقيقة”، ثم زادت مخاوف الأمريكيين بشأن تأثيرات المصل السوفيتي على عملائهم الذين يتم اعتقالهم من قبل المخابرات السوفيتية، خاصة مع انتشار ظاهرة استخدام السوفييت للمواد الكيميائية والبيولوجية ضد أعدائهم.
وردت المخابرات الأميركية على الإنجاز السوفيتي بتمويلها لمشروع بحث في العوامل الكيميائية والبيولوجية عام 1950، وهو مشروع الطائر الازرق Bluebird” الذي مهد الطريق لولادة مشروع إم كي ألترا MKUlTRA فيما بعد.
وتم تفويض المشروع للتحقيق في التهديدات المحتملة من الاعداء باستخدامهم لوسائل غير معروفة لاستخراج المعلومات السرية. بالإضافة لدراسات حول كيفية تحسين الذاكرة، وتقنيات استجواب خاصة، على شكل أدوية وتنويم مغناطيسي. وكذلك البحث عن وسائل دفاعية تمنع موظفي المخابرات الامريكية من نقل معلومات حساسة إلى الأعداء عندما يكونون قيد الاعتقال والاستجواب.
وبعد عام واحد فقط تم إعادة تسمية المشروع باسم Project Artichoke، وبتأريخ 13 أبريل 1953 حصلت الموافقة على مشروع إم كي ألترا MKUltra، بإشراف مباشر من قبل ألين دالاس، مدير المخابرات المركزية، واختيار موظفي الخدمات الفنية وتكليف الكيميائي والطبيب النفسي الأمريكي سيدني جوتليب لتشغيل المشروع.
إم كي ألترا، هو برنامج بحثي للعقل والسلوك البشري، تم إطلاقه في بداية الأمر لأغراض دفاعية، وتضمن تطوير واختبار العديد من الأدوية والعلاج النفسي والتنويم المغناطيسي وتقنيات لتغيير السلوك البشري. وكان من أهدافه، تحديد المواد التي تسبب التفكير غير المنطقي والاندفاعي، وكيفية احداث التنويم المغناطيسي، والتوصل لمواد يمكنها مواجهة آثار الأدوية السوفيتية المستخدمة في عمليات الاستجواب.
ولكن جرى إستكشاف إجراءات ووسائل هجومية فعالة ايضا خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 1953 – 1964، حيث اجريت العديد من التجارب بمشاركة علماء و80 مؤسسة ذائعة الصيت، وتضمن المشروع 149 مشروعا فرعيا كلها كانت مرتبطة بالتحكم بالعقل والسلوك البشري.
وعلى مدى سنوات طويلة جرى استخدام مادة الميسكالين، ولكن استبدلت فيما بعد بمادة مهلوسة أخرى، وهي ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك LSD، لأن المادة الاولى لم تحقق النتائج المطلوبة.
ومادة الـ(LSD) هي أحدى الأدوية الأولية التي تمت دراستها ضمن مشروع إم كي ألترا، فاستخدم على الأشخاص لمعرفة كيفية تغيير سلوكياتهم، وهو عقار تم تصنيعه لأول مرة من قبل الكيميائي السويسري ألبرت هوفمان عام 1943، سعى السوفييت للحصول عليه لاستخدامه في عمليات الاستجواب وغسيل الدماغ.
وتقول الكاتبة، إيمي هايز، المتخصصة بالتأريخ الأمريكي، ان الـ CIA استخدمت في وقت لاحق عقاقير أخرى مثل الباربيتورات والمورفين والهيروين والسكوبولامين والكحول والماريجوانا، بالإضافة للصدمات الكهربائية والتنويم المغناطيسي وحتى السحر، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث أجريت التجارب على مراحل متعددة وفي أماكن مختلفة بالتنسيق بين الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية وبالتعاون مع العديد من المؤسسات التعليمية والسجون، مثلما حدث مع السجن الفيدرالي في أتلانتا بولاية جورجيا، ومركز أبحاث الإدمان التابع للمعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH) في ليكسينغتون ، كنتاكي.
وبحسب الكاتبة ايضاً، فإن تجارب قد أجريت على مرضى مجانين إجرامياً في مستشفى ولاية إيونيا في ميشيغان، بإعطاؤهم مشتقات مختلفة من LSD والماريجوانا ثم استجوابهم من قبل الأطباء. وكذلك صحيفة ديترويت فري برس، أشارت عام 1977 إلى مشاركة أكثر من 140 مريضاً في المستشفى بتلك التجارب خلال الأعوام 1957 – 1960.
اقرأ ايضاً:
تحضيرات الحرب السيبرانية: سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي
الأسلحة فوق النفسية: الاشعاعات الكهرومغناطيسية وغير الكهرومغناطيسية
ليلة انتحار أولسون!
تشير المصادر إلى وجود حالة وفاة واحدة مؤكدة بسبب تناول عقار LSD والتي كانت سبباً في إتلاف وكالة المخابرات المركزية ملفات المشروع واغلاقه رسمياً عام 1973.

بدأت القصة في 18 نوفمبر عام 1953، بولاية ماريلاند الامريكية، عندما التقى عدد من العاملين بمشروع إم كي ألترا، التابعين لوكالة المخابرات المركزية مع أشخاص أخرين، لغرض تجربة العقار عليهم، وكان من بينهم الدكتور فرانك أولسون، العالم في الكيمياء الحيوية والباحث في الأسلحة البيولوجية في قسم العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، وكان اللقاء في كوخ يقع على بحيرة ديب كريك.
وبحسب المصادر، طلب باحثو وكالة المخابرات، بما في ذلك رئيس مشروع إم كي ألترا، الدكتور سيدني جوتليب، وضابط وكالة المخابرات المركزية الدكتور روبرت لاشبروك من الرجال المشاركين تناول كمية من عقار الـ LSD لمراقبة النتائج عليهم، ووافقوا على تناوله رغم عدم معرفتهم الكاملة بطبيعة هذا النوع من العقاقير، ولكن وفقًا لسجلات المخابرات المركزية، فقد تم الكشف عن نوع العقار للرجال بعد حوالي 20 دقيقة من تناوله، حيث تم إعطاؤهم العقار في كحول كوانترو ، مما سبب لهم عدم القدرة على إجراء محادثة جادة.
أما الدكتور أولسون، الذي تناول العقار في ذلك اليوم أيضا، أعرب أفراد أسرته وزملائه عن مخاوفهم من تصرفات غريبة ظهرت عليه وإصابته بحالة اكتئاب بعد أيام قليلة من تناوله للعقار، حيث عانى من الاكتئاب الشديد والبارانويا ونوبات الفصام وجرى نقله بعد ذلك إلى مدينة نيويورك لتلقي مساعدة نفسية.
ذكر الدكتور روبرت لاشبروك، بأنه ذهب مع الدكتور فرانك أولسون، للإقامة في فندق ستاتلر، واصفاً تصرفات أولسون بالطبيعية في ذلك اليوم، ولكنه استيقظ ليلاً على صوت كسر نافذة، حيث كان أولسون قد قفز من نافذة الطابق العاشر في غرفتهما بالفندق، وتوفي بسبب ذلك في 28 نوفمبر 1953. تم إخطار عائلة أولسون بوفاته ولكن لم يتم إعطاؤهم تفسيرًا واضحًا لسبب وفاته، وبقيت الحقيقة طي الكتمان حتى تم الكشف عن مشروع إم كي ألترا ونشره على الملأ، ثم كُشفت بعد ذلك الأسباب الحقيقية وراء انتحار أولسون، حيث أثبتت التحقيقات التي أجريت بعد ذلك أن وفاة الدكتور أولسون كانت نتيجة مباشرة لتناوله لعقار LSD، وفي نهاية المطاف تلقت عائلة الدكتور ألسون تعويضاً مالياً بقيمة 750 ألف دولار، واعتذارًا رسميًا في عام 1976 عن وفاته غير المشروعة. وعلى أثر تلك الفضيحة أمر مدير وكالة المخابرات المركزية ريتشارد هيلمز بتدمير جميع الملفات المتعلقة بمشروع إم كي ألترا عام 1973.
الأسلحة النفسية الروسية
قدرت بعض المصادر الصحفية انفاق روسيا على تطوير أسلحة وبرامج التحكم بالعقل البشري مبلغ مليار دولار أمريكي، منذ عام 1917 ولغاية 2003، للمنافسة مع المشاريع المماثلة على الجانب الأمريكي.
ولكن بعض الدراسات أشارت إلى أن مستوى الإهتمام بالظواهر الخارقة كالتخاطر عن بُعد والتحكم بالعقول كان أكثر ازدهاراً في روسيا قبل الثورة البلشفية عام 1917 والتي منعت البحث في الخوارق البشرية فحظرت المؤسسات والمنظمات غير الحكومية وكذلك الحركات الماسونية والروحانية، واغلقت مجلة التخاطر في علم النفس ” Rebus” التي كانت تصدر منذ عام 1881.
وفي مقابل ذلك، اعتمد نظام الثورة الجديد على العلوم المادية، وحتى العلماء كانوا يعملون ضمن مؤسسات حكومية فقط. وعلى ما يبدو أن تلك القيود كانت لأسباب أيدلوجية وكذلك لضمان بقاء هكذا نوع من المشاريع بيد الدولة حصراً. حيث بدأ أول برنامج سوفيتي منسق عام 1924، جرى تطويره خلال الأعوام 1932 – 1937 إلى برنامج دفاعي لنقل المعلومات بطريقة بيولوجية، تم اختباره في مكانين منفصلين، لينينغراد وموسكو، لغرض التحقق من الطبيعة الفيزيائية للتخاطر كنقل الصور المرئية والمعلومات عن بُعد بين شخصين في أماكن مختلفة بنفس الوقت.
وأظهرت نتائج الاختبار ان الجدران الحديدية لم تكن عائقاً أمام انتقال البيانات عبر اشعاع غير مرئي، تصدره الأجسام الحية خلال عملية التخاطر، وجرى تحديده على أنه عال الاختراق وغير كهرومغناطيسي. وكذلك أظهرت التجارب إمكانية تأثر آليات النشاط العصبي بالوسائل التقنية، لاسيما إشعاع الميكروويف.
واصلت النتائج المذهلة تدفقها فأبرزت ظواهر جديدة قادت في نهاية المطاف إلى ولادة ظاهرة ” الأسلحة النفسية”. كما رحجت العديد من المصادر المفتوحة ان تكون البرامج والمشاريع السوفيتية بدأت رحلتها بالتطور خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ثم بلغت أوجها في عهد روسيا الإتحادية ( بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي).
وعلى سبيل المثال: فالأدب الباطني كان محظوراً بالكامل في الإتحاد السوفيتي، وممارسة الطب بشكل غير قانوني تعد جريمة جنائية، بينما اعتمد مفهوم الطب التقليدي أو الطب البديل لأول مرة في الإتحاد الروسي عام 1997، والذي لا يتطلب لممارسته سوى الحصول على دبلوم معالج، إضافة إلى إنتشار ظاهرة التوقعات الفلكية والابراج، وفي نفس تلك الفترة ايضا، أدعى العديد من الأشخاص امتلاكهم لقدرات خارقة.
من جهته، ذكر سيرج كيرنباخ، الباحث في مركز أبحاث الروبوتات المتقدمة وعلوم البيئة في ألمانيا، مشروع ” سيربان” السوفيتي، وهو عبارة عن جهاز لتوليد وتخزين الإشعاع الكهرومغناطيسي عال التردد تم استخدامه للتأثير على الأجسام المادية. ورغم عدم وجود تفاصيل كافية عن نتائج المشروع، لكن من المرجح بناءً على البيانات المتوفرة إذا تم تصميم المولد بشكل صحيح فإنه قادر على تجميع الطاقة الحيوية من جميع الكائنات الحية، الحيوانات والنباتات والبشر، ثم إطلاقها إلى الخارج.
وبحسب البحث الذي أعده سيرج كيرنباخ، واستند فيه على مجلات فنية ووثائق رسمية روسية رفعت عنها السرية، فإن برنامج الالكترونيات النفسية السوفيتي يتشابه مع برنامج إم كي ألترا الأمريكي، فكلاهما بحث في كيفية التحكم بالعقل والسلوك البشري.
التكنلوجيا النفسية
يمكن استخدام مصطلح التكنلوجيا النفسية أو الالكترونيات النفسية، فهما يدلان على الأمر نفسه، ويندرجان ضمن مفهوم الأسلحة النفسية.
