دراسات مترجمة وحصرية النشر باللغة العربية على جي فوكس الدولية
في دراسة منشورة في مجلة (geopolitic) الأوروبية، للدكتور أليودور مانوليا، وهو عالم أوروبي في الباراسيكولوجي في مجال الامن والدفاع، تناولت قضية الأمن في منطقة البحر الأسود في سياق تهديدات ” الحرب الهجينة”، من منظور جيوسياسي، وتطرق مانوليا لمفهوم ” حرب ما وراء الشخصية” وهو نوع جديد من الحروب السرية الحديثة، وكان الدكتور مانوليا، أول من وضع في أعماله العلمية والاكاديمية، تعريفات نظرية وعملية للمفهوم، وكيف يعمل هذا النوع من الحروب المُتبعة في عالم اليوم.
السياق الجيوسياسي
التوازن العسكري في منطقة البحر الأسود آخذ في التغير. فالاتحاد الروسي يُشكل تهديدًا وجوديًا على كلا من: بلغاريا، رومانيا، تركيا، أوكرانيا، جورجيا، مولدوفا. ومن منظور جورجيا، أوكرانيا ومولدوفا، أن الأمن في البحر الأسود غير قابل للتجزئة ولا يمكن تقسيمه إلى قسمين، جزء لدول الناتو، والجزء الاخر للدول الثلاث الشريكة.
تتجلى “التحريفية” الروسية اليوم في شبه جزيرة القرم وأوسيتيا الجنوبية ودونباس وناغورنو كاراباخ وأبخازيا وسوريا، وتلك مجالات تُمثل أهمية قصوى لروسيا، تمارس فيها أفعالًا مُستفزة للغرب، وهي لا تشعر بالعقاب على أفعالها في جورجيا وأوكرانيا، والتي من شأنها تقويض المبادئ الأساسية للأمن الأوروبي. فمنذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 ، عززت روسيا موقعها العسكري في البحر الأسود كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير حجم التوازن الإقليمي لصالحها، وتهدف الإجراءات الروسية لتحديث أسطولها في البحر الأسود ، وزيادة وجودها العسكري جنوبا، وإنشاء منطقة محظورة لتقييد حركة حلف الناتو في المنطقة، وتعزيز قدراتها وإبراز قوتها في المنطقة.
تضيف عمليات الحرب الهجينة بُعدًا غير متماثل للنشاط الروسي في البحر الأسود، باستهداف مجالات السياسة، والاقتصاد، والمعلومات، والطاقة. وخلال السنوات الأخيرة أثبتت روسيا مهارتها في استخدام مجموعة من الأدوات الهجينة، بما في ذلك الدعاية والمعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية والتجارة، لزعزعة استقرار الدول الغربية والدول المُنتشرة على أطرافها.
هناك اختلاف بين الدول الأعضاء في حلف الناتو إزاء (كيفية) الرد وإلى أي مدى يجب أن يرد الحلف على روسيا في البحر الأسود؟ إذ تدعو بعض الدول التي لديها تصور أعلى للتهديد الروسي، إلى زيادة الوجود العسكري للحلف في البحر الأسود وما حوله، مُحذرة من أن موسكو قد تنظر إلى رد الناتو “المحدود” على أنه “ضوء أخضر” لسلوك أكثر عدوانية وتوسع. من جهتها موسكو تراقب عن كثب وبعناية شديدة هذا الأمر، وتستغل الانقسامات الداخلية بين دول الحلف لتحقيق أهدافها الإقليمية.
ولهذه الغاية، دعمت موسكو التعاون في مجال الاقتصاد والطاقة مع بلغاريا وتركيا، وهما دولتان من الدول الثلاث المطلة على البحر الأسود، بالإضافة إلى ذلك، أجرت روسيا عمليات استخباراتية مُخصصة في كلا البلدين لتقليل تصور التهديدات الروسية في هذين البلدين، وبدلاً من ذلك، تظل رومانيا، الدولة الساحلية الثالثة لحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، صامدة في مواجهة التهديدات الروسية، حيث بذلت بوخارست الكثير من الجهود لتحسين الوجود الإقليمي لحلف الناتو، ودعت حلفاءها إلى المساهمة بمزيد من القوات في لواء البحر الأسود متعدد الجنسيات، وزيادة الوجود البحري للحلف في البحر الأسود.
حاولت روسيا أيضًا زرع الخلاف بين الدول الأعضاء في الناتو والدول الشريكة في مسرح العمليات العدائية في البحر الأسود. من خلال تهديد جورجيا وأوكرانيا بوسائل عسكرية وغير عسكرية، بهدف تقويض استقرار كلا البلدين وتقويض الدعم المحلي للتكامل الأوروبي الأطلسي، وهكذا، تحاول روسيا زيادة “تكلفة” انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، بالنسبة للدول الأعضاء والدول الشريكة.
وينبغي على الناتو التحرك للدفاع عن موقفه الإقليمي من التهديدات الروسية المتزايدة على حلف الناتو في البحر الأسود، إذ أن تحسين التعاون الدفاعي مع جورجيا وأوكرانيا يُعد خيارًا استراتيجيًا لمواجهة السلوك الروسي، ومن شأن ذلك تعزيز أهداف حلف الناتو الإقليمية المتمثلة في الردع والاستقرار. بالإضافة إلى ان احتمال توسيع التعاون الدفاعي سيعزز وحدة الحلف والتزام الدول الشريكة الساحلية للناتو، في وقت يتعرض فيه كلاهما للهجوم من روسيا، ويتم استجواب الأخير من قبل الجمهور المحلي في جورجيا وأوكرانيا.
موسكو تريد استعادة مناطق نفوذها في منطقة البحر الأسود، ولكنها تحرص في الوقت نفسه، على عدم عبور حدود تفعيل بند الدفاع الجماعي (المادة 5 الشهيرة) من معاهدة شمال الأطلسي. لا توجد رؤية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بالأمن في البحر الأسود ومستقبل المنطقة. ومع ذلك، فإن الأمن في البحر الأسود هو في طليعة التحريفية الروسية، فهي المنطقة التي تختبر فيها روسيا تكتيكها الهجين قبل تصديره إلى أوروبا. وعلى الرغم من ان مفهوم الحرب الهجينة ليس جديدًا، لكن وسائلها تزداد تعقيدًا وتتطلب استجابة متناسبة. يعتقد كلاوزفيتز (جنرال ومؤرخ حربي ألماني) أن لكل حقبة نوع الحرب الخاص بها ، وشروط حدودها الخاصة ومفاهيمها المُسبقة الخاصة.
مفهوم الحرب الهجينة
يعتقد مايكل هاندل، أحد أتباع، صن تزو ” Sun Tzu “، و كلاوزفيتز ” Clausewitz”، أن جميع المفاهيم الكلاسيكية للحرب التي وصفوها لا تزال صالحة للاستخدام، ولكن يجب تكييفها مع البيئة المتغيرة باستمرار لعصر المعلومات. منطق الحرب والتفكير الاستراتيجي عالمي، مثل الطبيعة البشرية نفسها. هناك دائمًا حرب في العالم، والكفاح المسلح هو أحد أشكال (مراحل) الحرب فقط.
وكما هو معروف، تتضمن الإستراتيجية العسكرية أنواعًا متماثلة وغير متماثلة من الحروب، والتي يمكن أن تؤدي إلى المتغيرات التالية في الصراع العسكري: الحرب التقليدية، والحرب المحدودة، وحرب العصابات، والحرب غير التقليدية، وما شابه ذلك.
ويكشف تحليل تطورات الاحداث في أوكرانيا وسوريا والشرق الأوسط عن نوع آخر من العمليات المشتركة، والتي حددها الخبراء على أنها هجينة. فالحرب الهجينة هي مزيج استراتيجي، مخطط مسبقًا، ومسبوقًا بأفعال متناظرة وغير متكافئة مع الاستخدام المكثف للمعلومات والعمليات النفسية. حيث ان مفهوم الحرب الهجينة ليس اكتشافًا جديدًا، ولكنه تطور طبيعي للحرب، فالدول ذات الاقتصادات والموارد الأضعف ابتكرت طريقة غير متكافئة للحرب. وللرد على ذلك، تم إنشاء مفهوم التدخل الوقائي لمكافحة الإرهاب والنهج الشامل للعمليات ” الناتو”.
وفي روسيا، وُصفت الحرب الهجينة منذ الخمسينيات، وفي السنوات الاخيرة ظهر مفهوم القوة الناعمة، وقد صاغ “جوزيف ناي” مصطلح “القوة الناعمة” في نهاية الثمانينيات، ويتم استخدامه الآن بشكل متكرر، لكن غالبًا بشكل غير صحيح، من قبل القادة السياسيين والمحررين والأكاديميين في جميع أنحاء العالم. فالقوة الناعمة تتمثل في القدرة على الجذب والإقناع، في حين أن القوة الصارمة، “القدرة على الإكراه”، تنتج من القوة العسكرية أو الاقتصادية للبلد، فإن القوة الناعمة تنتج من جاذبية ثقافة البلد وسياساته.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، طور الجيش الصيني أيضًا استراتيجية غير متكافئة تسمى “الحرب غير المحدودة”، حرفيًا “الحرب بلا حدود”، والتي تتضمن العمليات القتالية في جميع ساحات القتال الحديثة. بينما تبنى حلف الناتو مفهومًا لمكافحة التهديدات الهجينة أو المُختلطة، والذي ينص على أنه يمكن تفعيل المادة 5 في ظل ظروف معينة. كما تعرف مصادر متخصصة أخرى، “الحرب الهجينة”، بأنها نوع من الحرب المنتشرة. وهو نموذج من القتال المسلح، تُستخدم فيه جميع الأساليب والتقنيات المحظورة في الأعمال العدائية التقليدية.
وفي عالم اليوم، فالحرب الهجينة تُعد أحدث نسخة من الصراع العسكري وأشكاله، باستخدام جميع الوسائل والأساليب لتدمير العدو، بدءاً من أقدم تقنيات الحرب وصولا إلى أحدثها، حيث تمزج العمليات الهجينة عمدًا مجموعات من الأساليب السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والمعلوماتية والتقليدية وغير النظامية والإرهابية والإجرامية لإدارة الصراع.
جوهر الحرب الهجينة هو عدوان التشكيلات العسكرية غير الحكومية على الدولة، دون تدخل رسمي للقوات المسلحة التقليدية الحكومية على طريقة الغزو المسلح، مما يجعلها خيار مُفضل لأولئك الذين يطبقون هذا النوع من الحرب، لأنها لا تسبب لهم الشعور بالذنب، كما أنها مفضلة أيضًا عندما لا تكون هناك حاجة إلى إكمال الإجراءات، ويتم استخدامها لإحداث ارباك في ساحة المعركة فقط. ويحاول الذين ينفذون استراتيجيات هجينة، البقاء في منطقة رمادية من حيث متابعة الأهداف، ومحاولة الحفاظ على عملياتهم دون ان تسبب انتهاكًا واضحًا للمعايير الدولية، لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع المجتمع الدولي. وفي سبيل تحقيق الغاية المنشودة فأنهم يستخدمون مزيج من الوسائل السلمية والعسكرية معا. يصف الخبراء العسكريون الروس الطريقة الجديدة لشن الحرب بمصطلح “الفوضى الخاضعة للرقابة”. علاوة على ذلك، هؤلاء هم أيضًا الذين يستخدمون مفاهيم نظرية الفوضى والتآزر في صياغة نظريات جديدة للحرب الحديثة.
هدف الحرب الهجينة
الغرض من الحرب الهجينة ليس تدمير العدو، وانما للاستيلاء على السلطة من أجل إعادة توزيع الموارد والأدوار في المجتمع من قبل حكومة موالية للطرف المُعتدي. ومن الناحية النظرية والعملية معا، تركز جميع المذاهب العسكرية على أن مهمة قمع إرادة العدو وإخضاعه هو الهدف النهائي، لذلك فإن من أهم المهام في الحرب الهجينة، التأثير على ضمير المجتمع، ثم تأثير ذلك على الحكومة، وهياكل الدولة المسؤولة عن اتخاذ القرارات أو تحفيزهم على القيام بأعمال معينة. وعلى سبيل المثال، ففي التقاليد الغربية لا تتعلق الحرب بالضرورة باستخدام الأسلحة الفتاكة، حيث يقول الفكر العسكري الكلاسيكي لكلاوزفيتز إن “الحرب هي عمل من أعمال العنف، والغرض منه إجبار العدو على القيام بإرادتنا”. فالمكسب الرئيسي في الحرب الحديثة ليس الموارد أو الأراضي أو القوة، ولكن التغييرات في عقلية الأمة المهزومة، وبهذه الطريقة يفرض المنتصر ثقافته الحضارية، ويشكل الواقع الجديد للعالم، مستخدماً جميع موارد الخاسرين بلا حسيب ولا رقيب، رغم اعتماده على القانون الدولي.
خصائص البيئة التشغيلية
في عالم اليوم، لا يمكن إنكار أن البيئة الأمنية الاستراتيجية معقدة وديناميكية تميل للانتقال إلى نموذج سياسي متعدد الأقطاب، ومن أنشط الدول في هذا الصدد الاتحاد الروسي، الذي يحاول استعادة نفوذه على الدول الأرثوذكسية الشرقية، وهذا الوضع يحدد بلا شك إزاحة بعض المواقع الجيوستراتيجية وإعادة توزيع مناطق النفوذ.
في الوقت الحالي، تعتبر الحروب المختلطة حقيقة واقعة تحدث ليس في الشرق الأوسط فحسب، ولكن في منطقة البحر الأسود أيضا. وبالنسبة لجميع البلدان، فهناك خطر متزايد من التهديدات غير المتكافئة. فالفساد والجريمة المنظمة والتطرف والإرهاب، وأزمة اللاجئين، كلها تؤدي إلى تهديدات مختلفة على الأمن الجماعي والوطني لدول الاتحاد الأوروبي، ومثل هذه البيئة الإستراتيجية تُعد نموذجا مثاليا لتطبيق مفهوم الحرب الهجينة.
ومن منظور البيئة العملياتية للحرب الهجينة، فإن مجال الصدامات قد أتسع مع ظهور ساحة ” المعركة الخامسة”، حيث يتم تنفيذ العمليات القتالية على الأرض والبحر والجو والفضاء، والفضاء الإلكتروني، حتى أن بعض المعنيين بالأمر يذكرون ساحة “معركة سادسة” أخرى، وهي المعركة العقلية، إذ أن التلاعب بالوعي العام أمرًا بالغ الأهمية في إجراء العمليات الهجينة لغرض تغيير الهوية الوطنية.
حرب المعلومات
أدى تطور شبكة الاتصالات العالمية، الإنترنت، إلى جعل المعلومات في متناول أي شخص تقريبًا. وكان من الممكن تحديد المعلومات، بما في ذلك الحصول على معلومات من مصادر لم تكن متوفرة من قبل، فالمعلومات يمكن أن تكون إما بناءة أو مدمرة بطبيعتها، ويمكن أن تؤثر على الناس والبيئة، فهي قد تحولت إلى مُنتج معين بمعايير خاصة بالقيمة والجودة، وتؤثر على الأفكار والمشاعر الإنسانية. ان الغاية من حرب المعلومات، في المقام الأول وقبل كل شيء، هو التأثير على الحالة النفسية للفرد في اتجاه مفيد للعدو، للحصول على مكاسب ومنافع في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ولهذا من الضروري تحويل سكان البلاد في حشد من العبيد المطيعين الأغبياء، في كتلة بلا رأي، يتبعون بشكل أعمى التوجيهات المتلاعبة بهم من قبل المُعتدي.
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح “حرب المعلومات” ظهر رسميًا في توجيه لوزير الدفاع الأميركي، في 21 ديسمبر 1992. تُعرَّف حرب المعلومات بأنها التأثير المتكامل (مجمل العمليات المعلوماتية) على نظام القيادة والسيطرة في الدولة المعادية، على قيادتها العسكرية والسياسية، من أجل اتخاذ قرارات مواتية للدولة التي تبادر بالبدء في وقت السلم وشل القيادة تمامًا، والتحكم في البنية التحتية للعدو أثناء الصراع.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من طرق برمجة نفسية الشخص. لقد تعلم العلماء والممارسون في جميع أنحاء العالم ليس فقط التأثير على مزاج وسلوك الناس، ولكن حتى الشروع في تدمير النفس النفسي أو التدمير الجسدي الكامل لشخص ما. هناك الكثير من الأمثلة على مثل هذه البرامج: “الحوت الأزرق” لعبة يمكن أن تحرض على السلوك الانتحاري، والتجنيد النشط لأشخاص من داعش، وما إلى ذلك. وهذا بحد ذاته يزيل العديد من علامات الغموض والاستفهام، إذ أنه ليس من قبيل المصادفة وجود أشخاص يستثمرون ملايين الدولارات في مثل هذه المشاريع.
حرب ما وراء الشخصية
يوجد تيار رأي داخل القوات المسلحة الأمريكية يتبنى فكرة مفادها أن التحدي الحقيقي للولايات المتحدة في المستقبل لن يكون حربا غير متكافئة، بل حربا “ما وراء الشخصية”، وهو نوع جديد من الحروب، طريقة تتجاوز كل الأشكال الكلاسيكية لأعمال الحرب المعروفة. وفي هذا السياق، فإن الدولة التي تفي عمليا بمتطلبات حرب متعالية سيكون لها ميزة إستراتيجية خاصة لا يمكن التغلب عليها. وفي هذه اللحظة، تبدو الحرب المتعالية / “حرب ما وراء الشخصية” غير قابلة للتصور أو حتى مستحيلة، لأن المفهوم بعيد إلى حد ما عن المعايير المعتادة للواقع اليومي، رغم وجود مظاهر ملموسة على هذه الحرب، وكذلك البحوث العلمية التي أجريت والنتائج التي تم الحصول عليها بالفعل وهي لا تقبل الجدل والشك، وقد تجاوزت حاجز الواقع الوجودي اليومي والمبادئ المعروفة وشبه الجماعية للمعرفة العلمية الحالية.
يتم تطبيق “حرب ما وراء الشخصية” من خلال ما أسميته “التأثير النفسي-المعلوماتي البعيد” (IPsiD)، والذي يعمل بشكل حركي كتأثير عقلي لا شعوري بدون دعم مادي ويمكن اعتباره امتدادًا للتواصل البشري. إنه سلاح حقيقي يستخدم في القتال “الهجومي” لمعرفة الخصم للتأثير والسيطرة عليه، وكذلك في الحالة “الدفاعية” لحماية القوات الخاصة على جميع المستويات، ويستخدم هذا السلاح، حرب ما وراء الشخصية، ضد العدو للتأثير عليه نفسيا وعاطفيا وجسديا.
في شرح الطريقة الوظيفية، للتأثير النفسي – المعلوماتي عن بُعد (IPsiD)، والتي تعمل بالاقتران العقلي، أثبتت حقيقة مفادها أن نشاط الدماغ، وبالتالي الحالة العاطفية والجسدية وسلوك الشخص المُستهدف، كلها يمكن أن تكون تحت سيطرة عقلية من شخص آخر يكون مُعد خصيصاً لتطبيق هذا الإجراء عن بُعد ودون الحاجة لوجود أي اتصال جسدي حسي.
وفي تحديد الأهداف وراء استخدام عملية ” التأثير النفسي – المعلوماتي البعيد” نأتي على ذكرها على الشكل التالي:
-
تغيير المهارات النفسية والعاطفية اللازمة للعدو للقيام بأنشطة خاصة بالعمل المسلح.
-
التأثير على العدو، خاصة على مستوى القيادة، من أجل تغيير قدرات اتخاذ القرار.
-
إضعاف القدرة القتالية للعدو.
-
حماية القوات الخاصة من نفوذ العدو.
أما خصائص التأثير النفسي-المعلوماتي البعيد (IPsiD) وفقًا لتصنيف الأعمال العسكرية، وكذلك في سياق مجالات نظام العمل في الكفاح المسلح، هي كما يلي:
-
يعمل على مستوى نفسية المقاتل.
-
لا تتطلب تدخلات مادية جسدية في مجال العمليات.
-
الأهداف تكون بعيدة عن مُشغلي برنامج التأثير النفسي – المعلوماتي البعيد ( IPsiD)، أي معزولة مكانيًا وحسيًا عن القوة القتالية للعدو.
-
الحرب الإلكترونية ليس لها تأثير على عمليات السيطرة عن بُعد التي يتم تنفيذها، ولا يمكن التشويش عليها.
-
يتم ضمان سرية الأعمال القتالية طوال مسارها.
-
في الأعمال العسكرية، يكون للأعمال الهجومية / الدفاعية ضمن “التأثير النفسي-المعلوماتي البعيد” طريقة محددة للعملية.
الاستنتاجات
لا توجد رؤية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بالأمن في البحر الأسود ومستقبل المنطقة. ومع ذلك، فإن الأمن في البحر الأسود هو في طليعة “التحريفية” الروسية، وهي منطقة تختبر فيها روسيا تكتيكها الهجين قبل تصديره إلى أوروبا. كما ان التوازن العسكري في منطقة البحر الأسود آخذ في التغير، فالاتحاد الروسي يُشكل تهديدًا وجوديًا على كلا من بلغاريا، رومانيا، تركيا، أوكرانيا، جورجيا، مولدوفا.
كما ان كلا من جورجيا، أوكرانيا، مولدوفا، يعتقدون أن الأمن في البحر الأسود غير قابل للتجزئة ولا يمكن تقسيمه إلى قسمين، جزءا لدول الناتو، والاخر للدول الثلاث الشريكة.
يمكن أن يكون بناء تعاون الدول على الجانب الشرقي لحلف الناتو على غرار دول الشمال ودول البلطيق أحد الحلول الممكنة، ويجب بناء جناح شرقي واحد للناتو، بما في ذلك جورجيا وأوكرانيا ومولدوفا، بدعوة الدول الثلاث للمساهمة في إنشاء وجود قوي للناتو.
قبل ظهور النظرية الجديدة للحرب الهجينة، اعتقد معظم المنظرين العسكريين أن الحرب المستقبلية ستخوض في بيئة تشغيل غير معروفة، في مكان غير معروف، وضد جيش أو تحالف غير معروف، وهذا صحيح من وجهة نظر تقليدية، وهو سبب ظهور تشكيلات شبه عسكرية غير حكومية. بعبارة أخرى، في مثل هذا الوضع غير المستقر، من الضروري مراجعة المفهوم الكلاسيكي لـ “ساحة المعركة”، وعليه يجب تضمين العالم بأسره كساحة معركة، لأن موقع العدو غير معروف، وبالتالي يمكن أن يظهر في كل مكان.
كما ان شدة الصراع ستكون متغيرة. سيستخدم المعارضون استراتيجيات تقليدية وغير تقليدية وهجينة، لتهديد المصالح الحيوية للقوى المعارضة. بمعنى ان من الضروري أن يكون الجيش في حالة استعداد دائم لأي تطور في الوضع، في أي مكان في العالم ومع أي هيكل محتمل لإنشاء التحالفات والتشكيلات العسكرية.
وفي الوقت نفسه، ستعتمد طبيعة النزاع المسلح بشكل أساسي على التغيرات في البيئة الجيوسياسية، وسيكون الهدف الاستراتيجي للقوات المسلحة هو استخدام مثل هذه التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية، مما يجعل رد الفعل الفعال للعدو مستحيلًا. ومن الخصائص المميزة الأخرى للبيئة أنه بسبب ضغط الأحداث في الوقت المناسب، سيكون رد الفعل السريع والتنسيق بين جميع هياكل الدولة أمرًا ضروريًا.
من الواضح أن جزءًا لا يتجزأ من بيئة العمليات سيكون استخدام الجماعات المسلحة أو المتطرفين أو المنظمات الإجرامية في المدن المكتظة بالسكان بذريعة السخط الوطني وضعف الإدارة. لهذا السبب، فإن جزءًا كبيرًا من القتال في مثل هذه الحرب يتم في بيئات حضرية، وهو سيناريو يجب تضمينه في تدريب تشكيلاتنا العسكرية.
في بيئة التشغيل الحديثة، يتم استخدام تشكيلات متحركة صغيرة وسهلة المناورة للغاية، والتي ستكون قادرة على الاندماج في البيئة المحيطة وسيكون من الصعب اكتشافها.
الحرب الهجينة في القرن الحادي والعشرين هي حالة “طبيعية” للواقع الجغرافي الاستراتيجي. إنه دائم ويبدو أنه لا يمكن ربحه أو خسارته. لذلك يجب على الدول تطوير مرونتها وإيجاد طرق للحد من الضرر الناتج عن الأدوات الهجينة. لا تخلق روسيا نقاط الضعف الموجودة، ولكنها تستغلها. لذلك يجب على الدول أن تفهم نقاط ضعفها وأن تعزز قدرتها على مواجهة تصرفات المعتدي، والتي لا تشمل الحكومة فحسب، بل تشمل أيضًا القطاعين العام والخاص.
اقرأ للكاتب أيضا
تحضيرات الحرب السيبرانية: سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي( الجزء الأول)
Source:
geopolitica magazine