الإشكالية
على الرغم من مرور ما يقارب العشرين عاما” على شروع المجتمع الدولي بعقد التحالفات ووضع الاستراتيجيات للحرب ضد الإرهاب Terrorism، الا أن الادعاء بتحقيق النصر عليه لايزال موضع شك كبير! فعلى الرغم من النجاحات التكتيكية الذي حققتها العمليات العسكرية في إحباط الهجمات وإلقاء القبض على الإرهابيين أو قتلهم، إلا أن مساعي التحالف الدولي للحرب ضد الإرهاب International Coalition Against Terrorism (ICAT)، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وجهود الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة للدول التي ابتليت بآفة الارهاب على مدى العقدين الماضيين كل ذلك لم يحقق النتائج المرجوة، من منظور استراتيجي، بل أدت الى تصاعد التطرف العنيف والكراهية على أساس ديني ومذهبي وعرقي بين الشعوب وتفاقم الاسلامفوبيا Islamophobia في المجتمعات الغربية، فضلا” عن الكلف المادية والمالية والتضحيات والخسائر البشرية في صفوف المدنيين.
واشنطن… استراتيجيات متغيرة
لقد جمع التحالف الدولي للحرب ضد الارهاب (ICAT)، بعض الشراكات الغريبة والأجندات المختلطة والمتعارضة ودرجات متفاوتة من الالتزام، فكانت الاستراتيجيات تتغير بتغير الحكومات والإدارات والقيادات منذ التركيز الهائل على مكافحة الإرهاب منذ إدارة جورج بوش الابن بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر2001 مرورا” بإدارة الرئيس باراك أوباما والرئيس دونالد ترامب وصولا” الى الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي حاولت ادارته إعادة تحديد مفهوم التصدي للإرهاب والتطرف العنيف. والحرص في الوقت نفسه على توخي الحذر من التهديدات المستمرة التي تطرحها الجماعات الإرهابية الدولية على غرار تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، والجماعات التي يلهمها هذان التنظيمان. كل ذلك عكس تأثر استراتيجيات الحرب ضد الإرهاب بعوامل عدة منها صعود الصين وروسيا (قبل غزو أوكرانيا)، ومروراً بالتغير المناخي، ووصولاً إلى حاجات البنية التحتية وقضايا الصحة العامة وغيرها محلياً، وصولا” الى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وتأثير مواقف حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والمنظمات الدولية مثل “حلف الناتو” من الحرب على الإرهاب، في سياق تأكيد التزام الولايات المتحدة بتعددية الأطراف واستراتيجية تقاسم الأعباء، والتخطيط لكيفية التعامل بشكل مشترك مع تداعيات تراجع حضورها على الساحة الدولية لمكافحة الإرهاب.
اوربا.. الناتو في مواجهة الإرهاب
لطالما أعلنت الدول الاوربية التزامها ودعمها لجهود التحالف العالمي ضد داعش، وما جرى في العقديْن الماضيين يمكننا من بناء تصور عن ملامح استراتيجية الدول الاوربية وخلف حلف شمال الأطلسي الناتو NATO بالخصوص الذي تشكل الدول الاوربية سواده الأعظم وكما يلي: –
-
ان مكافحة الإرهاب هي في الأساس مسؤولية وطنية ولا تزال كذلك. والفكرة هي أن الأمر متروك للدول المنضوية في حلف شمال الأطلسي الناتو NATO أولاً للتعامل مع التهديدات الإرهابية.
-
ان الطبيعة الشاملة لمسألة الإرهاب التي يجب التعامل معها في إطار مهام “الناتوNATO” الثلاث الرئيسية المحددة في المفهوم الاستراتيجي الأخير الذي يعود إلى عام 2010 وهي: الدفاع الجماعي، وإدارة الأزمات، والتعاون الأمني.
-
ان مساهمة “الناتوNATO” في جهود ومساعي المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب في الحالات التي يتمتع فيها بالخبرة وحيث يمكنه العمل بالتعاون مع الشركاء الدوليين (الدول أو المنظمات الدولية الأخرى
-
ان استراتيجية “الناتو” في مكافحة الإرهاب كحلف عسكري ينبغي أن ترتكز على ثلاث دعائم: الحذر والانتباه، والقدرات، والمشاركة والانخراط.
ومن الجدير بالذكر أن الدول الاوربية شرعت بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا في اتخاذ إجراءات لمواجهة التحدي الذي يشكله تنظيم داعش في اوربا وافريقيا من خلال ما يلي:
-
منع الإرهابيين من تمويل أنفسهم من خلال نهب الملكية الثقافية.
-
تبادل المعلومات المالية المكتسبة في سياق أنشطة الاستغلال الفني/أدلة ساحة المعركة، مع الشركاء الدوليين المعنيين (“الإنتربول”، و”فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”، و”مجموعة إيغمونت Egmont Group ” وهي هيئة موحدة تتألف من 166 وحدة استخبارات مالية (FIUs لدعم الجهود الوطنية والدولية لمكافحة تمويل الإرهاب).
-
نشر وتمركز قوات من الاتحاد الأوربي وحلف الناتو في افريقيا لمواجهة استراتيجية تنظيم داعش الجديدة في نقل المعركة الى منطقة الساحل الغربي الافريقي والصحراء الكبرة ووسط افريقيا.
استراتيجية المواجهة في افريقيا
يتمثل المسار الاستراتيجي لحلف «الناتو» في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء، في عدد من المهام الرئيسية من خلال تحديد التهديد وتعزيز وتطوير التعاون بين الدول الافريقية ومقر حلف الناتو في بروكسل لبناء هياكل عسكرية قادرة على مراقبة الوقائع والتطورات فيما يتعلق بتطور التهديد الإرهابي في أفريقيا (لا سيما في منطقة الساحل)، حيث يركز “الناتو” جهوده في هذه المرحلة على تحسين قدرات شركائه في المنطقة، ويشمل ذلك دعم الجهود ذات الصلة التي يبذلها “الاتحاد الأفريقي” و”الأمم المتحدة”.
استراتيجية المواجهة في العراق وسوريا
يركز حلف شمال الأطلسي “الناتوNATO” جهوده لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا، فينتمي “الناتو” إلى “التحالف العالمي ضد تنظيم «داعش»”. ويُعد التحالف الدولي الجهة الفاعلة الدولية الرئيسية في هذا المجال، ويرى الحلف دوره كمساهم في عمل التحالف، وفي الغالب من خلال “بعثة «الناتو» في العراق” التي تركز على تدريب قوات الأمن العراقية على المستوييْن التكتيكي والمؤسسي. الا ا، التهديد الذي ظهر مؤخرا” والمتمثل بالطائرات المسيرة بدون طيار دفعت “الناتوNATO” الى تعزيز الشراكة مع “المكتب المشترك للتصدي لمنظومات الطائرات بدون طيار” في وزارة الدفاع الأمريكية كما يتعاون “الناتوNATO” بشكل حثيث مع “الأمم المتحدة” و”الإنتربول” ومؤسسات “الاتحاد الأوروبي” و”المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية”، في مجال التصدي لمنظومات الطائرات بدون طيار، وذلك من خلال اجراء البحوث والدراسات لبناء وتطوير الإجراءات المضادة الأكثر فعالية.