بعد مباحثات ماراثونية في العاصمة القطرية الدوحة توصلت الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية في شباط /فبراير 2020، الى اتفاق يسحب الامريكان بموجبه قواتهم من أفغانستان خلال 14 شهراً، وبالمقابل وافقت فيه طالبان على منع تنظيم القاعدة من شن هجمات ضد المصالح الامريكية والغربية انطلاقا” من أفغانستان، ولكن طالبان كانت قد وعدت القاعدة في الفترة التي سبقت الاتفاق بأن تظل الجماعتان حليفتين..
وبعد الانسحاب الأمريكي الدراماتيكي من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، وصلت عائلة زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري إلى أفغانستان بعد 3 أشهر من الانسحاب الأمريكي من البلاد، وجرى تسكينهم بمنزل عاش فيه اثنان من كبار مساعدي الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، ولحق بهم زعيم القاعدة ايمن الظواهري بعد ذلك، حيث أقاموا في المنزل الذي قُتل فيه “الظواهري”، بتنسيق ومعرفة مساعدي وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني، القيادي البارز بشبكة حقاني الطالبانية والتي تُبقي على علاقتها بتنظيم القاعدة حتى الآن. والسؤال الذي قد يتبادر الى الذهن هل كانت عملية اغراء زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بالقدوم الى كابل استدراجا” له ليقع في الفخ ؟ أم أن مجيئه السريع مع عائلته الى بلد لايزال مضطربا” ويعيش حالة من الارتباك الأمني ، محض صدفة، أو قرارا” اتخذه بعد 11 عاما” من التخفي والمطاردة ؟
نشاط إعلامي لافت
باشر ايمن الظواهري نشاطه في العاصمة الأفغانية كابل بإصدار سلسلة إعلامية اطلق عليها “صفقة القرن أم حملات القرون”، التي بثتها مؤسسة السحاب، الذراع الدعائي للقاعدة في أواخر عام 2021، واستمرت لست حلقات كان اخرها في 15 تموز يوليو 2022، أي قبل أسبوعين من مقتل الظواهري. هذا النشاط الدعائي والإعلامي لأيمن الظواهري أغرى الاستخبارات الامريكية بمتابعته ورصده والتوصل الى مكانه لاستهدافه، بطائرة مسيرة بدون طيار، بينما كان جالسا في شرفة منزل يختبئ فيه في كابول.. في عملية لا تزال تفاصيله غامضة ومثيرة للجدل× خصوصا” بعد أن أعلنت حركة طالبان في تصريحات متضاربة أنها لم تعثر على جثة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بحسب ما ذكره المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد. في حين قال أمر الله صالح، النائب الأول للرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، أمس الأحد، في منشور له عبر حسابه الرسمي على “فيسبوك” إن: “طالبان دفنت جثة الظواهري ورفاقه سرا في منطقة بانجواي في ولاية قندهار جنوب أفغانستان”. الا أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الامريكي جون كيربي في مقابلة مع شبكة فوكس قال “ليس لدينا تأكيد من خلال تحليل الحمض النووي. لن نحصل على هذا التأكيد. بصراحة تامة، استنادا إلى معلومات من مصادر ووسائل عديدة، لسنا بحاجة إلى ذلك (تحليل الحمض النووي)”. وأضاف “لدينا تأكيد بالمشاهدة، ولدينا أيضا تأكيد من خلال مصادر أخرى”. وقال كيربي أيضا إن تنظيم القاعدة ما زال يحتفظ بوجود صغير في أفغانستان.
صيد سهل
سهل النشاط الإعلامي والدعائي للظواهري عملية رصد ومتبعة حركته من قبل الاستخبارات الامريكية التي توفرت لديها معلومات كافية لفهم “نمط حياة” الظواهري في المنزل، مثل عادة خروجه إلى الشرفة، من خلال قيام عملاء استخبارات أمريكيين كانوا يراقبون المنزل لأسابيع، إن لم يكن لشهور، بالإضافة الى استخدام مجموعة متنوعة من أساليب الاستخبارات قبل تنفيذ الضربة، بما في ذلك استخدام طائرات مسيّرة أو طائرات أمريكية تناوبت على مراقبة الموقع لأسابيع أو شهور، ولم يُسمع بها ولم تُر من الأرض.
بعد ساعة وأكثر من شروق شمس يوم في 31 تموز/ يوليو 2022، خرج أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، ووقف في شرفة منزله الكائن في وسط العاصمة الأفغانية كابل، ويُقال إنها عادة مفضلة كان يواظب عليها الجهادي المصري بعد أداء الصلاة. وفي تمام الساعة 06:18 بالتوقيت المحلي (01:38 بتوقيت جرينتش)، سقط صاروخان على شرفة المنزل، وأسفرت الضربة عن مقتل الظواهري، البالغ من العمر 71 عاما، دون إلحاق ضرر بزوجته أو ابنته في الداخل، ويبدو أن جميع الأضرار الناجمة عن الضربة انحصرت في الشرفة. الامر الذي يدل على أن الدقة في اختيار الهدف كانت مطلوبة بشكل كبير في اطار الموازنة بين قيمة الهدف وخطر سقوط قتلى من المدنيين! وهنا نتساءل هل كانت الدقة مطلوبة من قبل المنفذ(الامريكان)، أم من جهة أخرى تخشى من تداعيات سقوط مدنيين على سمعتها ووحدتها التنظيمية؟ لذلك كله كان لابد من استخدام سلاح عالي الدقة، لقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، لذلك فان الصاروخين اللذان اطلقا لقتل الظواهري لم يتسببا في إلحاق أي أضرار تذكر خارج نطاق الهدف المقصود مما يشير إلى أنهما قد يكونا من نسخة معدلة محاطة بالسرية تستخدمها الولايات المتحدة لتجنب سقوط ضحايا من غير الهدف المقصود تصفيته.
سلاح القتل
استنادا” لما سبق، يبدو أن شروط تنفيذ عملية تصفية الظواهري فرضت نوعا” خاصا” من السلاح لتنفيذ المهمة وضمان نجاحها. حيث وقع الاختيار على صاروخ من طراز (“هلفاير” Hellfire (R9X، وهو مسلح بـ “هالة من ستة شفرات طويلة” يمكن أن تخترق العوائق مثل المباني وأسقف السيارات قبل تمزيق هدفها، ويكنى هذا الصاروخ أيضا” بصاروخ الننجا ((Ninja Missiles، كذلك يكنى صاروخ R9X بـ(“Flying Ginsu”، أي سكاكين المطبخ)، حيث اطلق صاروخان من هذا النوع من طائرة بدون طيار من طراز بريدا تور Predator أي المفترس، عندما كان ايمن الظواهري، واقفا” في شرفة المنزل الذي يقطن فيه، لتسحق وتقطع جثته بشفرات الصاروخين. ومن الجدير بالذكر أن صاروخ R9X، استخدمه الجيش الأمريكي كسلاح اغتيال موجه ضد أهداف عالية القيمة: القادة والأفراد البارزون الآخرون، على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولم يكن هناك سوى 11 حالة مؤكدة تتعلق باستخدام صاروخ R9X، وقع العديد منها في سوريا، وأفغانستان وليبيا والصومال واليمن. وكان أبرز من تم اغتيالهم بـ(صاروخ R9X)، أبو الخير المصري، نائب زعيم القاعدة، في فبراير 2017 في محافظة إدلب السورية. وأبو محمد المصري (2020)، نائب الظواهري السابق. يبلغ طول Hellfire R9X أكثر من خمسة أقدام بقليل ويزن ما يزيد قليلاً عن 100 رطل ولا يترك وراءه أي توقيع مثل القذائف المحترقة أو العلامات المشوهة، حتى أن الشفرات الستة تتفتت عند الاصطدام. وR9X هو نسخة معدلة من عائلة الصواريخ المعروفة Hellfire (الرمز 114)، التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن الامريكية وتوجه بالليزر من غرفة تحكم بعيدة. فعندما يُطلق الصاروخ من طائرة مسيّرة، يتتبع مسؤول إطلاق الأسلحة، في غرفة التحكم قد تكون في الولايات المتحدة، بثا مباشرا للهدف، تُلتقط صوره بمستشعرات كاميرا مثبتة على متن الطائرة المسيّرة وتنقل الصور عبر الأقمار الصناعية، ليتم تحديد الهدف بالكاميرا وتوجيه شعاع ليزر إليه، وبمجرد إطلاق الصاروخ، يحدث تتبع لمسار هذا الليزر حتى يصيب الصاروخ هدفه.
القاعدة وطالبان تحالف مهزوز
سلط مقتل أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة، في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابل، أوائل شهر أغسطس/ آب 2022، الضوء على التحالف التاريخي بين حركة طالبان الصوفية، وتنظيم القاعدة السلفي الجهادي. ومن الجدير بالذكر أن حركة طالبان ليست تيارًا واحدًا بل عدة تيارات تضم طلبة المدارس الشرعية وأمراء الحرب.. واقرب التيارات الى تنظيم القاعدة داخل حركة طالبان هي شبكة حقاني التي تشكل العمود الفقري للجناح العسكري لحركة طالبان. أن العلاقات والارتباط بين تنظيم القاعدة وشبكة حقاني، لا زال أحد النقاط الخلافية داخل حركة طالبان التي تعيش على وقع تنافس وصراع داخلي يهدد تماسكها في الوقت الراهن، بحسب تقرير مجلس الأمن الصادر في مايو/ أيار 2022، خصوصا” بعد أن سيطرت شبكة حقاني على وزارة الداخلية (يشغلها سراج الدين حقاني)، والاستخبارات، والأمن في العاصمة كابل وفي غالب المناطق الأفغانية، فضلًا عن أن الشبكة تحتفظ باستقلالها التكتيكي والعملياتي عن طالبان، وأصبحت أفضل فصيل عسكري داخل الجماعة وسيطرت على كتيبة النخبة 313 وهي وحدة تدخل سريع تابعة بشكل مباشر لقيادة طالبان العليا، وحاولت السيطرة على كامل الجيش عبر تعيين “مالي خان” والد زوجة سراج الدين حقاني كنائب لرئيس الأركان. كل تلك الصراعات داخل حركة طالبان القت بظلالها على تنظيم القاعدة، إذ تروج شكوك قوية حاليًا على تورط عناصر من حركة طالبان المنافسين لشبكة حقاني، في الإيقاع بأيمن الظواهري والكشف عن مكانه للاستخبارات الأمريكية، وذلك لتقديم إثبات للولايات المتحدة أن طالبان اختلفت عما كانت في السابق وأن ما يُعرف بالتيار الوطني داخلها، الذي يرفض عولمة الجماعة الإرهابية ويعترض على وجود القاعدة والمقاتلين الأجانب على الأراضي الأفغانية، أصبح يسيطر على الأمور بشكل أفضل.
من جهته اتهم تنظيم داعش الإرهابي تيارات داخل حركة طالبان ببيع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري رغم تشفيه بمقتله. ويعتبر تنظيم داعش المستفيد الأول والرئيسي من مقتل الظواهرى، حيث أن مقتل الظواهرى سوف يساعد داعش على استقطاب مزيد من العناصر القاعدية ومحاولة استمالة ما تبقى من تنظيمات إرهابية تابعة للقاعدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الى صفوف التنظيم، خصوصا” بعد أن برهن مقتل أيمن الظواهري على حالة الفشل التي تعتري تنظيم القاعدة منذ وقت طويل، والذي أكد أن التنظيم مخترق حتى النخاع وعاجز عن حماية قادته وعلى رأسهم زعيمه الذي يعد آخر من تبقى من القيادات المؤسسة له، بعد مقتل أسامة بن لادن (2001)، وأبو الخير المصري (2017)، ، وغيرهم. كما أثبتت عملية الاستهداف أن اعتقاد قيادة القاعدة العليا أنها آمنة داخل المنازل التي استقرت بها داخل أفغانستان بالتنسيق مع شبكة حقاني، المكون الأكثر تشددًا داخل طالبان، لا يعدو كونه وهمًا أفضى في النهاية إلى خسارتها زعيم التنظيم أيمن الظواهري، وأن التحالف التاريخي بين طالبان والقاعدة قد وصل الى نهايته.
اقرأ للكاتب أيضا:
- تداعيات الحرب الروسية – الاوكرانية: سيناريوهات عمل التنظيمات الإرهابية
- تنظيم داعش الإرهابي والبيئة الاجتماعية في ايران
- سنجار العراقية: تحديات أمنية و إرادات غائبة