“تبدو الأزمة السياسية الحالية في بغداد بداية نهاية النظام السياسي العراقي الذي تأسس تحت المظلة الأميركية في الفترة 2003 – 2011”. هكذا أستهل روبرت فورد، مدير مكتب الشؤون السياسية في السفارة الأميركية في بغداد بين عامي 2004 و2009، مقالته بعنوان: ” الفشل الأميركي وأزمة العراق”.
ففي تأريخ 17 أغسطس من عام 2022، نشرت جريدة الشرق الأوسط السعودية، مقالاً لروبرت فورد، السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تحدث فيه عما أسماه: “الفشل الأميركي في العراق”، حيث أقر المسؤول الأميركي السابق بفشل بلاده في تقدير خطر تنامي دور الميليشيات والجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق، وان الولايات المتحدة ركزت في جهودها على مكافحة التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة وداعش، والتدخل في حل الازمات المباشرة، على حساب تفشي الفساد وتنامي نفوذ الجماعات الموالية لإيران.
وقال روبرت فورد، ” صحيح أن الأميركيين لم يصوغوا الدستور العراقي، وإنما صاغه العراقيون بأنفسهم، غير أن الأميركيين أصروا على انتهاء العراقيين من صياغة الدستور وفقاً لجدول زمني أميركي حددته سلطة الاحتلال، التي كان يقودها بول بريمر، رغم ان سفارتنا تعلم في 2005 أن الجدول الزمني ليس واقعياً، ولكن واشنطن رفضت نصيحتنا بتغيير الجدول الزمني”.
وأضاف: ” لم يسمح الأميركيون بصياغة نظام «المحاصصة» الذي يتيح للأحزاب السياسية العراقية استغلال السيطرة على الوزارات من أجل المال والوظائف. وقد أنشأت الأحزاب السياسية العراقية هذا النظام. إلا أن الأميركيين مارسوا ضغوطاً على تلك الأحزاب السياسية من أجل بناء حكومات ائتلافية شجعت على إقامة نظام المحاصصة. كما مارس الأميركيون الضغوط لتولي نوري المالكي منصب رئيس الوزراء عام 2006، ثم مرة أخرى في 2010″، على حد قوله.
وقال فورد ان بلاده ارتكبت خطأين استراتيجيين كبيرين في السنوات الأولى من الجمهورية العراقية الجديدة”، الخطأ الأول، كان الأميركيون، وأنا من بينهم، ساذجين بشأن مشكلة الميليشيات. ففي سبتمبر (أيلول) 2003، عندما كنت ممثلاً لبول بريمر في النجف، اعتقلني «فيلق بدر» تحت تهديد السلاح لمدة أربع ساعات قبل إطلاق سراحي. موضحاً ان بلاده كرست جهودها في محاربة تنظيم القاعدة، في حين تجاهلت القضاء على الميليشيات العراقية، ويستطرد قائلاً: ” بينما كنا نحارب ” جيش المهدي” بقيادة مقتدى الصدر، فقد رحبنا أيضاً بأعضاء الميليشيات، سواء من الأنبار، أو صلاح الدين، أو الحلة، أو مدينة الصدر، أو البصرة، وشجعناهم على الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تشكيل الأحزاب والتنافس في الانتخابات، على حد قوله.
وأضاف:” كان تفكيرنا ساذجاً، أن قادة الميليشيات سيتخلون عن أسلحتهم وسيعملون فقط داخل مجلس النواب ومع مجلس الوزراء، لتأمين المشاريع لمجتمعاتهم. بيد أن الميليشيات احتفظت بأسلحتها، ولم تبذل الحكومة العراقية أي جهد مُجدٍ لنزع سلاحها. وتقبل الأميركيون الأمر، لأننا لا نريد مواجهة حرب أوسع نطاقاً أو أطول زمناً”.
وقال أيضاً، ” وبعد عودة القوات الأميركية إلى العراق سنة 2014، سعى الأميركيون إلى تدمير «داعش» فقط، وقبلنا بالتحالفات التكتيكية مع الميليشيات الموالية لإيران في قضية تدمير «داعش»”.
وأعتبر فورد، أن إيران لعبت لعبة قذرة في تلك السنوات، على حد وصفه، مؤكداً على ان الأميركيين يتحملون أيضاً قدراً من المسؤولية عن انتشار الميليشيات، التي أعتبرها تعمل الآن على تقويض الاستقرار والعصف بالعملية السياسية في العراق، على حد وصفه.
وبحسب فورد أيضاً، ان الخطأ الاستراتيجي الثاني يرتبط بالخطأ الأول، حيث منح الميليشيات وحلفاءها من الأحزاب السياسية مزيداً من الموارد. موضحاً: ” كان لدينا فهم سطحي للفساد في الجمهورية العراقية الجديدة، حتى إن الأميركيين حاولوا تعزيز المؤسسات لمكافحة الفساد، مثل «هيئة النزاهة»، وإيجاد مفتشين عامين في الوزارات المختلفة”.
وأضاف: ” سمحت سلطات الاحتلال الأميركي باستمرار عمل «الهيئة العراقية العليا للرقابة المالية» من حكومة البعث، حيث كان لدى الأميركيين برنامج صغير للمساعدة الفنية لهذه المؤسسات، ولكنه لم يكن يشكل أولوية قط”. وساق مثال على قوله هذا: ” كان لدى مكتبي السياسي 20 دبلوماسياً قاموا بتحليل كل نزاع سياسي في بغداد إلى أدق التفاصيل، لكي نضطلع بدور الوسيط عند الحاجة بين الأطراف العراقية المتناحرة، وقد ساعد السفير الأميركي وفريقه السياسي في احتواء كثير من الأزمات بالعراق خلال السنوات الأولى من الجمهورية الجديدة.
ويقول أيضاً،” في مقابل ذلك، كان لدى مكتب المساعدة على مكافحة الفساد موظفان اثنان فقط، لا يتحدثان العربية، وعملا في مبنى آخر بعيد عن مكتب السفير والقسم السياسي”.
وكشف فورد أيضاً، عن أن السفارة الأميركية كانت تعلم في عام 2007 أن مكتب رئيس الوزراء المالكي يتدخل في أعمال «هيئة النزاهة» فيما يتصل بتعيين الموظفين، ويتدخل أيضاً في تحقيقات الفساد. كما علمت السفارة بضغوط من مكتب رئيس الوزراء والميليشيات، دفعت بأول اثنين من مديري «هيئة النزاهة» إلى الاستقالة في نفس العام. لكننا، وبرغم ذلك، لم نرد التدخل، إذ كنا نركز تماماً على الأزمات السياسية المباشرة، وليس على مشكلة الفساد المتنامي طويلة الأجل، على حد قوله”.
ويختم روبرت فورد بالقول: ” في عام 2022، يهدد الفساد المستشري في الدولة العراقية، وما نتج عنه من فشل في إعادة بناء البنية التحتية مثل شبكات الكهرباء والمياه، وجود الجمهورية العراقية نفسها. ويجب أن تنبه هذه الإخفاقات قصيرة النظر بشأن الميليشيات والفساد في العراق قبل 10 أو 15 عاماً، أولئك الذين يبالغون في تقدير إمكانات الولايات المتحدة. وأتمنى أن يجد العراقيون مخرجاً سلمياً من الأزمة الراهنة. وأعرف أن الأميركيين لا يملكون الإجابة عن ذلك”.
للأطلاع على نص المقال على موقع جريدة الشرق الأوسط
الفشل الأميركي وأزمة العراق