ان تشابك العلاقات الدولية وازدياد اعداد الفاعلين فيها ، فضلا عن تعقد المصالح والقضايا والأزمات الدولية وتنوع القنوات المؤثرة في ملامحها وتوجهاتها أدت مجتمعة الى ظهور انماط جديدة للدبلوماسية تختلف باليات عملها عن الشكل التقليدي للدبلوماسية الرسمية. كما فرضت تفاعلات العالم الحديث والتقدم المتنامي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مساراً دبلوماسيا موازياً لدعم وتعضيد عمل مسار الدبلوماسية الرسمية. ولابد من التميز بان هناك ثلاث مستويات عمل للدبلوماسية الموازية وهو العمل الرسمي الحكومي، والعمل بين الحكومي والمستوى الثالث هو العمل غير الرسمي.
ونظراُ لتغير منظور العلاقات الدولية وطبيعتها الذي أصبح يقوم على أساس العلاقات بين الشعوب وليس علاقات بين الانظمة الحكومية للدول، برزت منظمات المجتمع المدني كفاعل رئيسي ومهم في تنفيذ الدبلوماسية الموازية وكفاعل جديد في العلاقات الدوليه ، فقد تزايد الإدراك العالمي في العقود الاخيرة بقدرة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية غير الحكومية على التأثير في العلاقات الدولية كفاعليين دون الدولتية.
كما تجدر الاشار الى ان أهم الأسباب التي أدت إلى تنامي دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية غير الحكومية في العلاقات الدولية هي إتخاذ الارهاب الصفة العالمية وإستهدافه للحياة المدنية مما استدعى الى تظافر الجهود العالمية لردعه، وإتساع الرغبة في الديمقراطية والحكم الصالح وتحويلها الى أحد أهداف منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية غير الحكومية، فضلا عن أهداف التنمية المستدامة لخطة التنمية المستدامة لعام2030 التي اقرتها الامم المتحدة في عام 2016 والتي ركزت على اهمية دور منظمات المجتمع المدني في تحقيقها.
ان لمنظمات المجتمع المدني دورا لايستهان به في تنفيذ الدبلوماسية الموازية وذلك لامكانياتها في صنع السلام و الحد من تصعيد الصراعات وتخفيف من حدتها وتغيير الصور الذهنية للمجتمعات المتصارعة والتمهيد للمفاوضات الرسمية وتقريب جهات النظر على المستوى الداخلي والخارجي، فضلاً عن الأسهام في القضايا الدولية من خلال حشد التأييد الشعبي حولها مثل قضايا نزع السلاح وحقوق الانسان، العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا ادماج النوع الاجتماعي ، وتعمل المنظمات غير الحكومية الدولية على إدماج منظمات المجتمع المدني في المنظمات الدولية ومنحها مركزاً إستشارياً، وهو مازاد من قوة تأثيرها في العلاقات الدولية. فاصبحت منظمات المجامع المدني جهة رائدة في تمثيل مصالح الافراد والشعوب على الساحة الاقليمية والدولية الدفاع عنها .
وتتجسد نشاطات منظمات المجتمع المدني في الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الثقافية ودبلوماسية المسار الثاني التي تنشط في مجال بناء السلام والتمهيد للمفاوضات الرسمية والتي تنضوي جميع هذه الانماط تحت مسار الدبلوماسية الموازية.
ومن المهم الاشارة الى بعض التحديات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني وتحد من أداء دورها في تنفيذ الدبلوماسية الموازية وهي:
محدودية الموارد المالية التي تؤدي الى تحجيم دورها في تنفيذ اهداف الدبلوماسية الموازية والى انخفاض مستوى استدامتها وبطئ نموها، فضلا عن ان مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني تشكل درجة استقلالها كجهات فاعله في تنفيذ الدبلوماسية الموازية.
يتميز المجتمع المدني في بعض الأحيان بضعف مهارات التواصل الخارجي، فضلا عن عدم وجود تنسيق عمل مع اجهزة الدبلوماسية الرسمية، ومأسسة عمل مشترك معها يقود الى تقويض جهود الدبلوماسية الموازية.
وكذلك، لا تملك منظمات المجتمع المدني عمومًا القدرة والسلطة على تغيير السياسة، حيث يمكنهم فقط تشجيع مبادرات القرار، وأنشطتهم قد تكون فعالة في إجراء الحوار، ولكن ليس لديها ما يُلزم الجهات السياسية لإحداث التغيير. في ضوء هذا الافتقار للسلطة لاحداث ﺘﺄﺛﻴﺮ ﺴﻴﺎﺳﻲ، ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻣﻨظمات اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟمدﻧﻲ ﻋﻠﻰ الدور الاستشاري فقط، إلا ان تلك التحديات لا تنتقص من جهود منظمات المجتمع المدني بصفه عامة فهي الصلة المباشرة مع القواعد الشعبية، أي الناس من جميع الانساق وقطاعات المجتمع كما ان وجودها هو أمر ايجابي ودليل على ديناميكية المجتمع وحيويته . ولابد من القول ان اشراكها في صناعة القرار الخارجي بات ضرورة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال مأسسة عملها وتعزيز وتعضيد دورها في الدبلوماسية الموازية .